25‏/02‏/2012

الحرب ضد الهرطقات والأخطاء الفكرية للجماعات المنحرفة

الحرب ضد الهرطقات والأخطاء الفكرية للجماعات المنحرفة


أولاً: مواجهة الهرطقات

فيما نتكلم عن الحب والإتحاد والسلام الكامل... يبرز للكنيسة من آن لآخر تيار غريب يهدد سلامة التعليم الأرثوذكسى... وتضطر الكنيسة إلى أن تحارب هذا التيار، وقد تلجأ إلى سلاح القطع والحرمان، من أجل حفظ سلام الكنيسة وسلامة التعليم...قد يتساءل البعض... ألا يتعارض هذا مع تعليم المسيح الخاص بالمحبة، وقبول الآخر والإتجاه نحو الوحدة والسلام؟كيف للكنيسة وهى مسئولة عن سلام العالم... ومسئولة عن نشر فكر المسيح، وتعميق روح الحب... كيف لها أن تحارب أشخاصاً وتطردهم وتقطعهم؟... ألا يوجد هنا شبهة قساوة وإرهاب فكرى، وتعارض، مع إتجاه التجميع والإحتضان والتسامح والحب؟!!   
† ولكن أيضاً هل يجوز للكنيسة أن تترك كل إنسان يفكر كما يشاء، وينشر فكره مهما كان؟ تحت إدعاء طيبة القلب والتساهل، وخلاص نفس الآخر بقبوله؟      
دعنا نناقش الأمر كتابياً، لنرى رأى الكتاب المقدس، وفكر المسيح من جهة هذا الأمر. خاصة وأن الكنيسة بطول الزمان لجأت إلى منهج عقد المجامع ومحاكمة الهراطقة، وقطعهم وفرزهم... ونحن مازلنا نمدح أبطال الإيمان، الذين شاركوا قطع الهراطقة، وأمضوا عمرهم كله فى جهاد عنيف ضد الأفكار المتمردة، كمثل القديس أثناسيوس، وكيرلس، وديسقوروس وغيرهم.      
هل أخطأ الآباء فى منهجهم هذا ولم يتوافقوا مع فكر المسيح؟!   
هل علينا الآن فى عصر الحرية، والفكر المنفتح، والديمقراطية - أن نغيّر منهج الآباء القدامى، ونسلك مع الهراطقة بروح جديدة، حفظاً لتواجدهم معنا فى الكنيسة!! ومنعاً لإستخدام سلاح الطرد والتشهير والحرمان كما يقولون...؟!   
1- الهرطقات تعليم شيطانى
أول حقيقة تقابلنا عند دراسة هذا الموضوع أن الشيطان هو المحرك لكل هرطقة فى الكنيسة "ولكن الروح يقول صريحاً أنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان. تابعين أرواحاً مضلة، وتعاليم شياطين فى رياء أقوال كاذبة موسومة ضمائرهم" (1تى 1:4-2).       
فهل مطلوب من الكنيسة أن تحمى تعليم الشيطان وتقبله؟!"ليست هذه الحكمة نازلة من فوق، بل هى أرضية نفسانية شيطانية" (يع 15:3) "لأنه       
سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة، يجمعون لهم معلمين، مستحكة مسامعهم، فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات" (2تى 3:4-4).    
† فهل الكنيسة مسئولة عن حماية الإنحرافات والخرافات والشهوات الخاصة فى التعليم؟       
إن مثل هؤلاء الكذبة يحكم عليهم الكتاب المقدس بالهلاك.
†"ولكن كان أيضاً فى الشعب أنبياء كذبة، كما سيكون فيكم أيضاً معلمون كذبة، الذين يدسون بدع هلاك. وإذ هم ينكرون الرب الذى إشتراهم، يجلبون على أنفسهم هلاكاً سريعاً. وسيتبع كثيرون تهلكاتهم. الذين بسببهم يُجدف على طريق الحق. وهم فى الطمع يتجرون بكم بأقوال مصنّعة. الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى. وهلاكهم لا ينعس" (2بط 1:2-3).      
† "لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة، فعلة ماكرون، مغيرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح. ولا عجب، لأن الشيطان نفسه يغيّر شكله إلى شبه ملاك نور. فليس عظيماً إن كان خدامه أيضاً يغيرون شكلهم كخدام البر. الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم" (2كو 13:11-15).لقد وصف هنا - معلمنا بولس الرسول - الهراطقة بأنهم خدام الشيطان وكذبة وماكرون... فهل تقبلهم الكنيسة وهم هكذا؟إن الأساس الذى تُبنى عليه الأفكار الهرطوقية، هو التمرد "فإنه يوجد كثيرون متمردين يتكلمون بالباطل ويخدعون العقول" (تى 10:1).والتمرد محسوب فى فكر الإنجيل إنه مثل عبادة الأوثان: "لأن التمرد كخطية العرافة والعناد كالوثن والترافيم" (1صم 23:15).       
† فهل مطلوب من الكنيسة أن تتغاضى عن عبادة الأوثان؟
إنهم بتعبير معلنا بولس "الإخوة الكذبة المدخلين خفية الذين دخلوا أختلاساً" (غل 4:2)، "وهم أعداء صليب المسيح" (فى 18:3).       
إن التعليم الهرطوقى ليس إطلاقاً من الله، ولا من الروح القدس روح الحق... بل هو من العالم والشيطان وروح الضلال "هم من العالم. من أجل ذلك يتكلمون من العالم، والعالم يسمع لهم. نحن من الله فمن يعرف الله يسمع لنا. ومن ليس من الله لا يسمع لنا. من هذا نعرف روح الحق، وروح الضلال"(1يو 5:4-6)."الذى من الله يسمع كلام الله. لذلك أنتم لستم تسمعون لأنكم لستم من الله" (يو 47:8).       
2- الهراطقة يحكمون على أنفسهم     
† "منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا، لكن ليُظهروا أنهم ليسوا جميعهم منا" (1يو 19:2).       
إن الإنسان المسيحى الحقيقى يشعر أنه عضو فى الجسد.. يسلك كباقى الجسد ويفكر كرأس الجسد "أما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو 16:2) ويكون حريصاً ألا يخرج عن إجماع الفكر الكنسى والتقليد الرسولى... يبرهن على صدق عضويته بطاعته، وتوافق فكره الخاص مع فكر المسيح.   
† "واطلب إليكم أيها الإخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات، خلافاً للتعليم الذى تعلمتموه، وأعرضوا عنهم، لأنه مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح، بل بطونهم. وبالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء" (رو 17:16-18).       
† "عالماً أن مثل هذا قد انحرف وهو يخطئ محكوماً عليه من نفسه" (تى 11:3).إن الكنيسة فى حكمها على الهراطقة، إنما تقرر حكماً سبق أن حكموا به هم على أنفسهم بسبب عدم طاعتهم للحق.        
3- لابد أن تأتى العثرات    
† "لأنى أعلم هذا أنه بعد ذهابى سيدخل بينكم ذئاب خاطفة، لا تشفق على الرعية. ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية، ليجتذبوا التلاميذ وراءهم" (أع 29:20-30).إنه خطر محدق بالكنيسة منذ البداية...         
† "لأنه لابد أن يكون بينكم بدع أيضاً، ليكون المزكون ظاهرين بينكم" (1كو 19:11).حقاً قال السيد المسيح: "ويل للعالم من العثرات. فلابد أن تأتى العثرات. ولكن ويل لذلك الإنسان الذى به تأتى العثرة" (مت 7:18). لقد نبهنا السيد المسيح بنفسه ألا نتبع الأنبياء الكذبة "ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين" (مت 11:24)، "ها أنا قد سبقت وقلت لكم" (2كو 2:13).فإذا كان الكتاب المقدس قد أنبأنا مسبقاً عن حتمية ظهور الهراطقة والذئاب الخاطفة. فلماذا نبهنا لذلك؟ وما هو دور الكنيسة إزاءهم؟ وما هى خطة الكتاب المقدس لمواجهتهم؟
4- امتحنوا الأرواح   
أول كل شئ أن يكون لنا روح التمييز والإفراز. "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح. بل امتحنوا الأرواح. هل هى من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم" (1يو 1:4)، "وأنبياؤها قد طينوا لهم بالطفال رائين باطلاً وعارفين لهم كذبا قائلين هكذا قال السيد الرب. والرب لم يتكلم" (حز 28:22).
ليست البساطة هى السذاجة وقبول أى فكر... بل مع البساطة لابد من وجود الحكمة والإفراز "كونوا بسطاء كالحمام. حكماء كالحيات" (مت 16:10).
ولذلك فمن ضمن المواهب التى يمنحها الله للكنيسة موهبة "تمييز الأرواح" (1كو 10:12) لكى تنفذ الكنيسة وصية المسيح القائلة: "أحترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة" (مت 15:7). "امتحنوا كل شئ، تمسكوا بالحسن" (1تس 21:5).إنك تحتاج نعمة خاصة وموهبة روحية، لكى تكتشف الذئب الذى يرتدى ثوب الحمل... "من ثمارهم تعرفونهم" (مت 16:7). 
† ما هى ثمارهم؟ الحسد والخصام والإنقسام والعناد والتحزب "إن كان أحد يعلم تعليماً آخر، ولا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح، الصحيحة والتعليم الذى هو حسب التقوى، فقد تصلف، وهو لا يفهم شيئاً، بل هو متعلل بمباحثات ومماحكات الكلام. التى منها يحصل الحسد والخصام والإفتراء والظنون الردية، ومنازعات أناس فاسدى الذهن، وعادمى الحق" (1تى 3:6-5)."إن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم" (رو 18:16).     
فأول علامة للفكر المنحرف هى التحزب وإفتعال الخصومات "إن كان لكم غيرة مرة وتحزب فى قلوبكم، فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق. ليست هذه الحكمة نازلة من فوق بل هى أرضية نفسانية شيطانية، لأنه حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر ردىء" (يع 14:3-16)."أما قوم فعن حسد وخصام يكرزون بالمسيح... فهؤلاء عن تحزب ينادون بالمسيح على عن إخلاص" (فى 15:1-16).إذاً مطلوب منا أن نميز الخادم الذى يخدم بروح الله، والمزيف الذى يخدم بروح مضلة ونكتشف هل هذا التعليم من الله أم لا؟ "أن لا تتزعزعوا سريعاً عن ذهنكم، ولا ترتاعوا لا بروح ولا بكلمة ولا برسالة كأنها منا" (2تس 2:2)، "الذين نحن لم نأمرهم" (أع 24:15). "وإنما أقول هذا لئلا يخدعكم أحد بكلام ملق" (كو 4:2).ولا يقف الأمر عند حد الإفراز والتمييز فقط، بل يجب مواجهة الهراطقة.  
5- مواجهة الهراطقة أمر كتابى  
† "ثم نوصيكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم (التقليد) الذى أخذه منا" (2تس 16:3).  
"تجنب مثل هؤلاء" (1تى 5:6).وليس الأمر فقط التجنب بل هناك أيضاً الإنذار: "ونطلب إليكم أيها الأخوة أنذروا الذين بلا ترتيب" (1تس 14:5).   
† "وإن كان احد لا يطيع كلامنا بالرسالة فسموا هذا ولا تخالطوه، لكى يخجل ولكن لا تحسبوه كعدو، بل أنذروه كأخ" (2تس 14:3-15)."لكى توصى قوماً أن لا يعلموا تعليماً آخر ولا يصغوا إلى خرافات وأنساب لا حد لها تسبب مباحثات دون بنيان الله الذى فى الإيمان" (1تى 3:1-4).وإن لم يستجيب الهرطوقى للإنذار، فهناك عقوبة التجنب "الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين أعرض عنه" (تى 10:3)، "أعرضوا عنهم" (رو 17:16).وليست العقوبة هى فقط التجاهل، بل أيضاً التوبيخ. "فلهذا السبب وبخهم بصرامة لكى يكونوا أصحاء فى الإيمان، ولا يصغون إلى خرافات يهودية، ووصايا أناس مرتدين عن الحق" (تى 13:1-14).     
† "الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع لكى يكون عند الباقين خوف" (1تى 20:5).وقد يتطور الأمر إلى القطع من شركة الكنيسة : 
"إنى أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذى دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر. ليس هو آخر. غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح. ولكن إن بشرناكم فليكن أناثيما (محروماً)" (غل 6:1-9). ويجوز أيضاً مقاطعة هذا الإنسان نهائياً حتى يستفيق إلى نفسه: "إن كان أحد يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم، فلا تقبلوه فى البيت ولا تقولوا له سلام، لأن من يسلم عليه يشترك فى أعماله الشريرة" (2يو 10:1-11)."أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" (1كو 11:5).    
† "فإعزلوا الخبيث من بينكم" (1كو 13:5)، "حتى يُرفع من وسطكم الذى فعل هذا الفعل" (1كو 2:5) ليس عن حقد وخصومة، بل بهدف ربح نفس هذا الإنسان "وعبد الرب لا يجب أن يخاصم بل يكون مترفقاً بالجميع صالحاً للتعليم صبوراً على المشقات مؤدباً بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق. فيستفيقوا من فخ إبليس إذ قد اقتنصهم لإرادته" (2تى 24:2-26).وكان الأمر فى العهد القديم أكثر خطورة إذ كان يحكم على هؤلاء بالقتل "إذا قام فى وسطك نبى أو حالم حلماً و أعطاك آية أو أعجوبة، ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التى كلمك عنها قائلا لنذهب وراء إلهة أخرى لم تعرفها ونعبدها، فلا تسمع لكلام ذلك النبى
أو الحالم ذلك الحلم... لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكى يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم، وراء الرب إلهكم تسيرون وإياه تتقون ووصاياه تحفظون وصوته تسمعون وإياه تعبدون وبه تلتصقون، وذلك النبى أو الحالم ذلك الحلم يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم الذى أخرجكم من أرض مصر وفداكم من بيت العبودية لكى يطوحكم عن الطريق التى أمركم الرب الهكم أن تسلكوا فيها فتنزعون الشر من بينكم" (تث 1:13-5).    
6- الآباء الرسل فى مواجهة الهراطقة 
لقد كان جهاد الآباء الرسل ينصب فى إتجاهين متكاملين: نشر الكرازة بالإنجيل وحفظ الإيمان سليماً بلا عيب... لئلا يتغير إنجيل المسيح. لذلك وقفوا بالمرصاد لكل من يخرج عن الإيمان الأرثوذكسى، أنظر ما قاله معلمنا يوحنا الرسول: "ديوتريفس الذى يحب أن يكون الأول بينهم لا يقبلنا، من أجل هذا إذا جئت سأذكره بأعماله التى يعملها هاذراً علينا بأقوال خبيثة" (3يو 9،10).  
† وكانت سيامة الأسقف هدفها الأساسى هو حفظ الإيمان، كما أوصى معلمنا بولس تلميذيه تيموثاوس وتيطس: "كما طلبت إليك أن تمكث فى أفسس إذ كنت أنا ذهباً إلى مكدونية لكى توصى قوماً أن لا يعلموا تعليماً آخر" (1تى 3:1)."إن فكّرت الإخوة بهذا تكون خادماً صالحاً ليسوع المسيح متربياً بكلام الإيمان والتعليم الحسن الذى تتبعته" (1تى 6:4)."يا تيموثاوس أحفظ الوديعة معرضاً عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الاسم. الذى إذ تظاهر به قوم زاغوا من جهة الإيمان" (1تى 20:6-21)."تمسك بصورة الكلام الصحيح الذى سمعته منى فى الإيمان والمحبة التى فى المسيح يسوع أحفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا" (2تى 13:1-14).ليس هذا فقط بل كان أيضاً مسئولاً عن إختيار الخدام الأكفاء الذين ينقلون التعليم سليماً."وما سمعته منى بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً" (2تى 2:2).   
† ويكون أيضاً "ملازماً للكلمة الصادقة التى بحسب التعليم لكى يكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوّبخ المناقضين" (تى 9:1).وكان دائماً هدفه التوبيخ والعقوبة هو الخلاص "خلصوا البعض بالخوف مختطفين من النار" (يه 23:1) وكان التخوف الوحيد هو إنتشار الفكر الهرطوقى فيهلك كثيرون "خميرة صغيرة تخمّر العجين كله. ولكننى أثق بكم فى الرب أنكم لا تفتكرون شيئاً آخر، ولكن الذى يزعجكم سيحمل الدينونة أى من كان" (غل 9:5-10). حقاً إن كل الهراطقة كانوا أعضاء فى جسد المسيح، لكنهم أختاروا لأنفسهم القطع "كل غصن فىّ لا يأتى بثمر ينزعه" (يو 2:15)، "إن كان أحد لا يثبت فىّ يطرح خارجاً كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه فى النار فيحترق" (يو 6:15).
† إن وحدة جسد المسيح لا تحتمل وجود الهراطقة... بل قطع الهراطقة هو ضمان لحفظ وحدانية الجسد والروح والفكر.         
ووجود الهراطقة داخل الكنيسة يهدد وحدتها، وسلامتها وسلامة إيمانها "وأطلب إليكم أيها الإخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات، خلافاً للتعليم الذى تعلمتموه وأعرضوا عنهم، لأنه مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم" (رو 17:16-18)."ألستم تعلمون أن خميرة صغيرة تخمّر العجين كله. إذا نقوا منكم الخميرة العتيقة لكى تكونوا عجيناً جديداً كما أنتم فطير" (1كو 6:5-7)."ولكن إن كان أحد يظهر أنه يحب الخصام فليس لنا نحن عادة مثل هذه ولا لكنائس الله" (1كو 16:11)."كى لا نكون فيما بعد أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم بحيلة الناس بمكر إلى مكيدة الضلال، بل صادقين فى المحبة ننمو فى كل شئ إلى ذاك الذى هو الرأس المسيح" (أف 14:4-15).

ثانياً: الأخطاء الفكرية للجماعات الدينية المنحرفة

وبعد أن أسدل الستار على موضوع الانحراف الفكرى العقيدى الذى انجرف فيه مجموعة من الشباب المسيحى، ربما يتساءل البعض: ما هى الأخطاء المنهجية التى سقطوا فيها؟ وما هى خطورتها عليهم وعلى من يتبعهم؟ فى البداية أود أن انبه ذهن القارئ... أن الكنيسة لا تحارب أشخاصاً، ولكنها تقاوم فكراً منحرفاً، ومنهجاً معيباً فى الخدمة... فليست القضية هى فلان من الناس... ولكن هى انحراف فكرى ظهر سابقاً فى أشخاص آخرين.. وربما يظهر مرات ومرات بمدى التاريخ، مع أناس أمناء لأنفسهم وذواتهم فقط، وليسوا أمناء للمسيح والكنيسة.. دعونا الآن ندرس أخطاءهم بطريقة موضوعية منهجية...          
1- خطأ وجود منهجين (علناً وسراً)    
الخادم الصادق يكون صريحاً فى الإيمان (راجع تى 4:1) ويجاهر بهذا الإيمان دون كذب أو مراوغة، بل ويفتخر بإيمانه وبالدفاع عنه، كمثل الرسل وكل الآباء "لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع 20:4).          
أما إن لجأ الخادم إلى تغيير تعليمه، فيتكلم علناً كلاماً طيباً وشرحاً جميلاً... وفى السر يتكلم بأمور ملتوية... فهذا دليل على عدم صدقه وعدم أمانته "رجل ذو رأيين هو متقلقل فى جميع طرقه" (يع 8:1). إنه يبدو أمام سامعيه كمثل الملاك البرىء، لأنه حريص ألا يظهر آراءه الخاطئة         
إلا للخاصة والمريدين... وقد يلجأ إلى تعليم تلاميذه ألا يجاهروا بهذه الآراء، بحجة أنها (تثير شكاية الشيطان ضدهم!!). وبذلك يتعلم تلاميذه الخبث والكذب والدهاء... فهل هذه سمات تعليم المسيح؟ هل علم الآباء بهذه الطريقة الملتوية؟ هل كان القديس أثناسيوس يعلّم فى العلن بتعليم لا يوافق عليه فى السر؟. أو يتكلم فى السر بكلام يخالف ما يقوله فى العلن؟     
† إن وجود منهجين للتعليم فى خدمة الخادم، دليل قاطع على كذبه، وعدم أمانته، وهو غير جدير أن يتبعه الناس، لأنه غير صادق مع نفسه.   
أن هؤلاء الكاذبين ينطبق عليهم قول السيد المسيح: "يا أولاد الأفاعى كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار. فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم" (مت 34:12).لقد قيل عن الشيطان أنه "متى تكلم بالكذب؛ فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو الكذاب" (يو 44:8).        
† أما الخادم الحقيقى فهو صادق "من يتكلم من نفسه يطلب مجد نفسه. وأما من يطلب مجد الذى أرسله فهو صادق وليس فيه ظلم" (يو 18:7).         
يتبقى هنا سؤال: لماذا يصدق الناس الكذب ؟ يجيبنا على هذا، معلمنا بولس الرسول: "الذى مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم فى الهالكين، لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا، ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب، لكى يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا بالإثم" (2تس 9:2-12).    
2- خطأ المنهج الانعزالى   
إن الكنيسة المقدسة هى جسد المسيح.. وكلنا أعضاء فى هذا الجسد، بدون تحزب أو تقوقع.. الجميع مفتوحون على بعض... "هذه الكائنة من أقاصى المسكونة إلى أقاصيها" بل والممتدة من الأرض إلى السماء، تجمع فى داخلها كل المؤمنين فى السماء وعلى الأرض بدون تمييز. أما هذه الجماعات، فهى تنظر إلى نفسها على أنها كيان خاص متميز... (تلامذة فلان)... ويعطون لأنفسهم اسماً يميزهم عن باقى المؤمنين (المريمات... كنيسة العهد الجديد... التلمذة الروحية... مجموعة الشركة الروحية... الخ). وينظرون إلى باقى المسيحيين، على أنهم مزيفون... ولن يخلص إلا من يدخل هذه الجماعة المتقوقعة والمعزولة (التى عزلت نفسها فكرياً عن باقى نسيج الكنيسة)...وتكون النتيجة أن المنتمى لهذه الجماعات يحتقر أصدقاءه وأسرته وكنيسته والأباء الكهنة والكل.وتظن هذه الجماعة فى نفسها أن الله اختصها برسالة خاصة!!."أن ظن أحد أنه شئ وهو ليس شيئاً فإنه يغش نفسه" (غل 3:6)، "لا يخدعن أحد نفسه" (1كو 18:3). يجب أن يتضع الإنسان ويعرف قدر نفسه "فإن كان أحد يظن أنه يعرف شيئاً؛ فإنه لم يعرف شيئاً بعد كما يجب أن يعرف" (1كو 2:8). لقد حارب السيد المسيح هذه الروح المتكبرة التى تجعل الكنيسة مليئة بالنتوءات "وقال لقوم واثقين بأنفسهم أنهم أبرار، ويحتقرون الآخرين هذا المثل.." (لو 9:18). "أنتم الذين تبررون أنفسكم قدام الناس. ولكن الله يعرف قلوبكم. أن المستعلى عند الناس هو رجس قدام الله" (لو 15:16). لمثل هؤلاء المنعزلين نهدى قول معلمنا بولس الرسول: "إن وثق أحد بنفسه أنه للمسيح، فليحسب هذا أيضاً من نفسه، أنه كما هو للمسيح، كذلك نحن أيضاً للمسيح" (2كو 7:10). وطبعاً لا يخفى على القارئ، خطورة انتشار هذه الروح المليئة بالكبرياء، والإحساس بالتميز.        
† ويصير لهذه الجماعة الخاصة إجتماعات خاصة، وشرائط كاسيت خاصة، وتعليم خاص... وإتصالات سرية... ويتم التنبيه عليهم أن يقرأوا لفلان من الكتّاب، ولا يقرأو لباقى الناس... الخ. إنهم يصيرون كمثل بؤرة صديدية فى جسم الكنيسة، أو كمثل ورم خبيث لا يتآلف مع باقى أنسجة الجسم... واصلح علاج له هو الاستئصال. إن الانعزالية والتحوصل هى التعبير المباشر عن الكبرياء، وإحساس التميز، واحتقار الآخرين، وإدانتهم... وكل هذا ليس من روح المسيح.       
3- خطأ القائد الأوحد وإدعاء النبوة :  
لقد تعلمنا فى الكنيسة أن نستقى مياها بفرح من جميع الآباء... ويصير المسيحى كمثل النحلة النشيطة، يرتشف رحيق أزهار الكنيسة... فيسمع للبابا وللأساقفة وللآباء الكهنة، والوعاظ والخدام... وينفتح قلبه ليتعلم من الجميع... فيصير تكوينه الروحى متوازناً.. قد يكون أحد المتكلمين متخصصاً فى الطقس، لا يتكلم إلا فيه... وآخر له المنهج النسكى فى الشرح، وثالث يتبنى المنهج الإجتماعى والإنسانى... ورابع يشرح الإنجيل بكفاءة... الخ.          
فإذا أغلقت على نفسى مع معلم أوحد... صرت نسخة منه أتبنى أفكاره وأدافع عنه كمن يدافع عن المسيح!!  
† أما إذا انفتح قلبى على الجميع، صرت مجملاً بالمعرفة، متنوعاً ومتوازناً فى الفكر والسلوك والإيمان..     
† خطر هذه الجماعات، أنها لا تسمع إلا لقائد واحد... ويقدسونه حتى درجة اعتباره القائد المُلهم، والنبى الذى يسمع صوت الله، ويتكلم مع الروح القدس وجهاً لوجه. وها هو أرميا النبى يقول: "فقال الرب لى: بالكذب يتنبأ الأنبياء بإسمى. لم أرسلهم ولا أمرتهم ولا كلمتهم. برؤيا كاذبة وعرافة وباطل ومكر قلوبهم هم يتنبأون لكم" (أر 14:14)."فإن كثيرين سيأتون باسمى قائلين أنا هو المسيح ويضلون كثيرين" (مت 5:24).         
ليس شرطاً أن يدّعى المسيح الكاذب أنه المسيح بوضوح، فحتماً سوف لا يصدقه الناس ولكن يكفى لأن يكون كاذباً أن يدّعى أنه مخلص الكنيسة!!        
† لا يوجد مخلص للكنيسة إلا المسيح فقط، وليس لأى إنسان مهما كان أن يدّعى، أن الكنيسة قد فسدت، وأنها تحتاج إليه أو إلى وجوده، وإلى مجهوده لكى تخلص."لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً" (مت 24:24)، "ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين" (مت 11:24). "احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة. من ثمارهم تعرفونهم.." (مت 15:7،16). "لأنه لا يأتى (المسيح) إن لم يأت الارتداد أولاً، ويستعلن إنسان الخطية إبن الهلاك، المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهاً أو معبوداً، حتى أنه يجلس فى هيكل الله كإله مظهراً نفسه أنه إله" (2تس 3:2،4). حتى إن كان هذا المعلم الأوحد أرثوذكسياً فى فكره، فسيقود تابعيه إلى هوة عبادة الأشخاص.. وإن كان منحرفاً فى فكره، وليس أرثوذكسياً فسيقودهم إلى الهلاك أجمعين.. فالخطر قائم فى الحالتين..
† السيد المسيح وهو المعلم الصالح الأوحد... لكنه لم يتبع هذا المنهج المريض... فكان يحترم معلماً آخر فى جيله هو يوحنا المعمدان... وقد أرسل تلاميذه اثنين اثنين أمام وجهه، ليشاركوا فى خدمة التعليم... ولم يمسخ شخصيات تلاميذه، بل كان لكل منهم نكهته الخاصة، مع الاحتفاظ بالروح الواحد، والتعليم الواحد، والإيمان الواحد... إن القائد الأوحد، هو خطر على كل الوجوه، حتى ولو كان سليماً عقائدياً... فما بالك إن كان منحرفاً، وإنحرافه واضح... إلى أين سيقود تابعيه ومريديه، بل وعابديه؟ وخطورة القائد الأوحد، أنه يمسخ شخصيات تابعيه، ويعمل لهم (غسيل مخ) فيصيرون عابديه وتابعيه، حتى لو قادهم للانتحار (مثلما حدث فى بعض بلاد الغرب).        
4- بث روح الإحباط والفشل      
لكى يثّبت هذا القائد الأوحد أقدامه فى قلوب تابعيه... عليه أن ينشر فكرة أن الكنيسة كلها فاسدة... ومجموعته فقط هى مجموعة المؤمنين الحقيقيين!!    
لن يتعب كثيراً هذا القائد، فى كشف سلبيات الآباء والخدام، والتركيز على الضعفات... ويتجاهل الإيجابيات، والقوة فى خدمات الكنيسة... فتصير الدنيا مظلمة فى عيون سامعيه.. إذ يقول لهم: أن كل شئ خراب، والكنيسة مخزية ومخجلة وخربة... ولا أمل فى إصلاحها... وقد فارقها روح الله... وابتعدت عن روح الآباء!!! الخ.      
† إن الخادم الروحى يعلّم أولاده الإيجابية، وعدم إدانة الناس... وأن ننظر إلى الجانب المضىء... أما الجانب الضعيف فعلينا أن نتكاتف ونسد الثغرة... لا أن نفرح بها ونضخمها، وتصير سبباً فى انتشار الإحباط واليأس...          
"من أنت الذى تدين عبد غيرك. هو لمولاه يثبت أو يسقط... أما أنت فلماذا تدين أخاك؟، أو أنت أيضاً لماذا تزدرى بأخيك. لأننا جميعاً سوف نقف أمام كرسى المسيح... بل بالحرى احكموا بهذا أن لا يوضع للأخ مصدمة أو معثرة" (رو 4:14،10،13).لمصلحة من - إلا الشيطان - أن يُعَلَمْ للشباب أن الكنيسة فاسدة... بكل قيادتها وآبائها... من سيتشجع ويتوب؟ من سيتقوى ويخدم؟ أنها بكل تأكيد ضربة شيطان، حتى يفقد الشباب عزيمته على العمل الروحى.        
† ليست الكنيسة فاسدة، بل هى جماعة القديسين، الذين يعمل فيهم الروح القدس... وضعفات الأشخاص تحسب على أنها جهاد قانونى... لأننا لا نستسلم للضعف... ولا يستطيع أحد أن يدّعى أنه بلا ضعف أو بلا خطية... فلماذا ننظر إلى ضعف البعض على أن الكنيسة كلها ضاعت؟     
† ولماذا لا ننظر إلى جهاد هؤلاء المحسوبين أنهم ضعفاء؟        
إن هذا المنهج منهج شيطانى الذى "يتكلم بكلام ضد العلى، ويبلى قديسى العلى، ويظن أنه يغيرّ الأوقات والسنة" (دا 25:7).         
† ولماذا لا نكون منصفين، ونقدِّر إيجابيات الناس ونحترم إنجازاتهم؟   
إن الخادم الروحى يبث فى الشباب روح التفاؤل، والرجاء والحماس للعمل فى إتضاع، مع روح احترام الآخرين الكبار والصغار..               
5- الغيبية والخرافات
المنهج الأرثوذكسى يقوم على الإنجيل والآباء والليتورجيا.. أما أصحاب المناهج المنحرفة، فيكون مرجعهم الرؤى والأحلام والإعلانات و (الروح القدس قال لى)... "لأنه هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل: لا تغشكم أنبياؤكم الذين فى وسطكم، وعرافوكم ولا تسمعوا لأحلامكم التى تتحلمونها، لأنهم إنما يتنبأون لكم باسمى بالكذب أنا لم أرسلهم يقول الرب" (أر 8:29،9).ويتحكم صاحب المنهج المنحرف فى خصوصيات تلاميذه... فيرشح لأحدهم زوجة، ويمنع زواج آخر، بحجة أن الروح القدس غير موافق!! ويلغى العقل والفكر كأنه مضاد للإيمان..      
† لقد خلق الله لنا عقلاً، لكى نستخدمه لا لنتجاهله... وعندما نستخدم العقل جيداً يتمجد الله فينا، لأنه هو خالق هذا العقل الجبار. بينما إذا استسلمنا للغيبيات فإننا نهين الله لأننا تجاهلنا عطيته العظيمة لنا (يجب أن نفكر). أين المرجع الكتابى الذى يقول أن الكحة تطرد الشيطان، كما يعتقدون؟!      
وأين الآباء الذين علّموا بأن الأحاسيس الروحية تسكن فى أعضاء الإنسان، كالكبد والطحال والمرارة؟! "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح.. لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم" (1يو 1:4).إن الإفلاس الروحى والفكرى، يقود الناس إلى هذه الخرافات والغيبيات، التى تهين المسيحية، والفكر المسيحى، أمام غير المسيحيين. الذين أحياناً يعتبرون أن المسيحية، هى مجموعة هذه الأفكار التافهة. "ولكن كان أيضاً فى الشعب أنبياء كذبة، كما سيكون فيكم أيضاً معلمون كذبة، الذين يدسون بدع هلاك. وإذ هم ينكرون الرب الذى اشتراهم، يجلبون على أنفسهم هلاكاً سريعاً. وسيتبع كثيرون تهلكاتهم. الذين بسببهم يجدف على طريق الحق. وهم فى الطمع يتجّرون بكم بأقوال مصنعة الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى وهلاكهم لا ينعس" (2بط 1:2-3).    
6- خطورة الروحانية الإنفعالية    
الإنسان مركب من جسد ونفس وروح... إذا كانت الروحانية مرتبطة بالجسد فقط، سيكون التدين مريضاً فريسياً حرفياً. وإذا كانت مرتبطة بالنفس فقط، سيكون التدين نفسانياً عاطفياً إنفعالياً مزيفاً ومؤقتاً...
† لذلك فى المنهج الأرثوذكسى، نتعامل مع الله "بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له، الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا" (يو 23:4،24).
فى المنهج الأرثوذكسى، الجسد يتروحن ولكن لا تكون العبادة حسب الجسد. والنفس تتسامى، ولكن لا تكون العبادة على مستوى العاطفة... والروح تقود الكيان الإنسانى، ولكنها تكون خاضعة لروح الله... أما المناهج المنحرفة، فتعتمد على إثارة عاطفة السامعين... سواء بالترانيم الحماسية والموسيقى الصاخبة... أو بالكلمات العاطفية المتأججة بالمشاعر... أو بالوعظ الحماسى، الملىء بالإنفعال والإيحاءات النفسية.    
أو بالأكثر بالهتافات المليئة بالحماس والإنفعال، فمثلاً يكررون عدة مرات "دم يسوع المسيح يطهرنى من كل خطية" بصوت مرتفع وحماسى، كمن يسير فى مظاهرة!!حتى لو كانت العبارة صحيحة عقيدياً... ولكن الهتاف العاطفى والإنفعالى خاطئ... لأنه سريعاً ما يزول، ويعود الإنسان مرة أخرى إلى برودته الحقيقية، بعد أن زالت عنه السخونة المزيفة. لم نسمع عن الآباء أنهم كانوا يهتفون هكذا.. ولا وجدت فى ألحان الكنيسة، أو تسابيحها مثل هذه العواطف المريضة... إن الروحانية المزيفة، تكون كالنار فى القش... والروحانية الأرثوذكسية، كالماء ينحت فى الصخر، بهدوء وعمق واستمرارية.لذلك نرفض هذه العبادة الإنفعالية لأنها من النفس، وليست من الروح.
7- التكلم بالألسنة ورسائل الروح القدس     
موضوع التكلم بألسنة، محسوم وواضح فيه رأى الكنيسة الأرثوذكسية. وليس مجالنا الآن أن نشرح موقف الكنيسة منه... ولقد شرح بكل تفصيل معلمنا بولس الرسول، معنى هذه الموهبة فى (1كو 14:12). ويمكن للقارئ أن يرجع لهذا النص ويقرأه بهدوء.
† ولكن ما يعنينا فى هذا المجال أنه إن كان خادم يدّعى، أنه قبطى أرثوذكسى، فلماذا لا يلتزم بإيمان كنيسته القبطية الأرثوذكسية؟!       
† إن كانت الكنيسة تعلّم أنه لا يوجد حالياً تكلم بألسنة، حسبما ورد فى (1كو 22:14).        
† فكيف لأحد خدامها أن يتكلم بألسنة؟      
إما أن الكنيسة كلها ليست أرثوذكسية، وهذا الأخ أرثوذكسى حقيقى، أو أن الكنيسة أرثوذكسية، وهذا الأخ غير أرثوذكسى...
وفى كلا الحالتين يجب عليه أن يكون صادقاً مع نفسه، ولا يدّعى انتماءه لهذه الكنيسة المجيدة، بل يعلن هويته الحقيقية وإنتماءه الحقيقى. 
† الخادم الأمين الصادق، يخضع لإيمان كنيسته ويلتزم به، ويعيه جيداً، ولا يسقط فى إنحرافات... وإن سقط فهو غير جدير بأن يكون معلماً فى الكنيسة...   
† إن التكلم بألسنة فى هذه الجماعات، هو تعبير عن كل الأخطاء السابق شرحها... فهى تكريس لمبدأ الغيبية والخرافات... ومبدأ الروحانية الإنفعالية، ومبدأ الجماعة المختارة ومبدأ تغييب المخ والعقل، ومبدأ الكبرياء والإحساس بالتميز... (ارجو من القارئ أن يستزيد فى القراءة عن موقف الكنيسة فى موضوع التكلم بألسنة).          
8- عدم الخضوع للكنيسة والمجمع المقدس  
إن أبسط مبادئ الروحانية، أن يكون الإنسان خاضعاً ومطيعاً، "لأن التمرد كخطية العرافة والعناد كالوثن والترافيم" (1صم 23:15). كيف تمنع الكنيسة إنساناً من التعليم بقرار من المجمع المقدس (أعلى سلطة كنسية)... ولا يلتزم هذا الإنسان بهذا القرار؟        
† أننى اتساءل، لو سحبت نقابة الأطباء، العضوية من أحد الأطباء المشهورين... هل يجرؤ أن يمارس الطب؟ إن الكنيسة ومجمعها المقدس، هى المسئولة عن سلامة التعليم.. وكل خادم يجب أن تكون تعاليمه حسب ما تقول به الكنيسة... وإن نبهت الكنيسة، خادماً لأخطائه، عليه أن يخضع ويلتزم، وإن أصرَّ على أخطائه فهو جدير بالقطع.          
† أما عدم الخضوع للكنيسة، فهو أيضاً برهان صادق على كل ما ذكرناه سابقاً: الكبرياء والعناد، والإنفعالية، والغيبية، والإحساس بالتميز... إنه منهج الشيطان الذى قال: "اصعد فوق المرتفعات السحاب. أصير مثل العلى" (أش 14:14)، والذى قيل عنه: "ويفعل الملك كإرادته، ويرتفع ويتعظم على كل إله، ويتكلم بأمور عجيبة على إله الآلهة، وينجح إلى إتمام الغضب، لأن المقضى به يجرى. ولا يبالى بآلهة آبائه، ولا بشهوة النساء، وبكل إله لا يبالى لأنه يتعظم على الكل" (دا 36:11،37). "من أجل أنه قد ارتفع قلبك وقلت أنا إله، فى مجلس الآلهة أجلس فى قلب البحار، وأنت إنسان لا إله، وإن جعلت قلبك كقلب الآلهة" (حز 2:28). إن جميع الهراطقة بطول التاريخ بدأوا هكذا، وانتهوا إلى التدمير الكامل، لأنفسهم وتابعيهم.       
† والكنيسة مسئولة ليس فقط عن حفظ التعليم السليم، ولكن أيضاً عن حفظ شعبها، بعيداً عن الذئاب الخاطفة... الذين "يرعون أنفسهم" (حز 2:34) ويتسلطون على مشاعر الناس وأفكارهم، ويستحوذون على أموالهم وأشخاصهم... وينحرفون بهم إلى عبادة الأشخاص، دون معرفة الله...    
† يجب أن ينتبه شعبنا المحب للمسيح لأنه قديماً قيل: "سبى شعبى لعدم المعرفة" (أش 13:5)، "إن سمعوا وأطاعوا قضوا أيامهم بالخير وسنيهم بالنعم. وإن لم يسمعوا فبحربة الموت يزولون ويموتون بعدم المعرفة" (أى 11:36-12)."أيها الأولاد هى الساعة الأخيرة. وكما سمعتم أن ضد المسيح يأتى. قد صار الآن اضداد للمسيح كثيرون. من هنا نعلم أنها الساعة الأخيرة" (1يو 18:2.نرجو من الرب أن يحفظنا جميعاً فى سلامة الإيمان والسلوك والتعليم... له كل المجد.    
 


أسئلة وأجوبة حول العقيدة الأرثوذكسية


أسئلة وأجوبة حول العقيدة الأرثوذكسية
    1-هل توجد آيات صريحة في الكتاب المقدس تذكر لاهوت المسيح؟ يسرنا إيراد بعض منها .
 2-لماذا كان السيد المسيح يلقب نفسه بابن الإنسان؟ هل في هذا عدم اعتراف منه بلاهوته؟ ولماذا لم يقل إنه ابن الله؟
 3-يسئ الأريوسيون فهم الآية التي قال فيها سيدنا يسوع المسيح "أبى أعظم منى" (يو28:14). كما لو أن الأب أعظم من الابن في الجوهر أو في الطبيعة!! فما تفسيرها الصحيح؟
4-نقول إن المسيح ابن الله. فهل هو أصغر منه، لأن الابن عادة يكون أصغر من الأب. وقد رأيت أيقونة في كاتدرائية بالخارج. فيها صورة الأب بلحية بيضاء، والابن بلحية سوداء.
 5-قال السيد المسيح "مجدني أنت أيها الأب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو5:17). وهنا يسأل الأريوسيون: هذا الذي يطلب من الأب أن يمجده، هل من المعقول أن يكون مساوياً للآب الذي يمجده؟
  
  1- هل توجد آيات صريحة في الكتاب المقدس تذكر لاهوت المسيح؟ يسرنا إيراد بعض منها .
 نعم، توجد آيات كثيرة، نذكر من بينها:     
قول بولس الرسول عن اليهود:      
".. ومنهم المسيح حسب الجسد، الكائن على الكل إلهاً مباركاً    
مقدمة إنجيل يوحنا واضحة جداً. إذ ورد فيها: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله" (يو1:1). وفى نفس الفصل ينسب إليه خلق كل شئ، فيقول "كل شئ به كان. وبغيره لم يكن شئ مما كان" (يو3:1).     
وعن لاهوت المسيح وتجسده يقول بولس الرسول في رسالته الأولى إلى تيموثاوس "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد" (1يو16:3).         
وعن هذا الفداء الذي قدمه المسيح كإله يقول بولس الرسول إلى أهل أفسس "احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أع28:20)    
وطبعاً ما كان ممكناً أن الله يقتنى الكنيسة بدمه، لولا أنه أخذ جسداً، سفك دمه على الصليب.  
ولقد اعترف القديس توما الرسول بلاهوت المسيح، لما وضع أصبعه على جروحه بعد قيامته، وقال له: "ربى وإلهي" (يو28:20).        
وقد قبل السيد المسيح من توما هذا الإيمان بلاهوته. وقال له موبخاً شكوكه: "لأنك رأيتني يا توما آمنت. طوبى للذين آمنوا ولم يروا".       
وحتى اسم السيد المسيح الذي بشر به الملاك، قال: "ويدعون اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا" (مت23:1). 
وكان هذا إتماماً لقول النبي أشعياء: "ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً، وتدعو اسمه عمانوئيل" (أش14:7)، لقد صار الله نفسه آية للناس بميلاده من العذراء.      
وما أكثر الآيات التي تنسب كل صفات الله للمسيح.

2- لماذا كان السيد المسيح يلقب نفسه بابن الإنسان؟ هل في هذا عدم اعتراف منه بلاهوته؟ ولماذا لم يقل إنه ابن الله؟
 السيد المسيح استخدم لقب ابن الإنسان. ولكن كان يقول أيضاً إنه ابن الله ... قال هذا عن نفسه في حديثه مع المولود أعمى، فآمن به وسجد له (يو9: 35-38). وكان يلقب نفسه أحياناً [الابن] بأسلوب يدل على لاهوته كقوله "لكي يكرم الجميع الابن، كما يكرمون الآب" (يو5: 21-23). وقوله أيضاً:
"ليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب. ولا من هو الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له" (لو22:10). وقوله أيضاً عن نفسه: "إن حرركم الابن فبالحقيقة أنتم أحرار" (يو36:8).
وقد قبل المسيح أن يدعى أبن الله، وجعل هذا أساساً للإيمان وطوب بطرس على هذا الاعتراف.
قبل هذا الاعتراف من نثنائيل (يو49:1)، ومن مرثا (يو27:11)، ومن الذين رأوه "ماشياً على الماء" (مت33:14). وطوب بطرس لما قال له "أنت هو المسيح ابن الله". وقال "طوياك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبى الذي في السموات" (مت16: 17،16).       
وفى الإنجيل شهادات كثيرة عن أن المسيح ابن الله.        
إنجيل مرقس يبدأ بعبارة "بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله" (مر1:1). وكانت هذه هي بشارة الملاك للعذراء بقوله "فلذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو35:1). بل هذه كانت شهادة الآب وقت العماد (مت17:3)، وعلى جبل التجلي (مر7:9)، (2بط1: 18،17). وقول الآب في قصة الكرامين الأردياء "أرسل أبنى الحبيب" (لو13:20). وقوله أيضاً "من مصر دعوت أبنى" (مت15:2). وكانت هذه هي كرازة بولس الرسول (أع20:9)، ويوحنا الرسول (1يو15:4)، وباقي الرسل.         
إذن لم يقتصر الأمر على لقب ابن الإنسان. بل إنه دعي ابن الله، والابن، والابن الوحيد. وقد شرحنا هذا بالتفصيل في السؤال عن الفرق بين بنوتنا لله، وبنوة المسيح لله. بقى أن نقول: استخدم المسيح لقب ابن الإنسان في مناسبات تدل عل لاهوته.     
1- فهو كابن الإنسان له سلطان أن يغفر الخطايا.وهذا واضح من حديثه مع الكتبة في قصة شفائه للمفلوج، إذ قال لهم: ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا، حينئذ قال للمفلوج قم أحمل سريرك وأذهب إلى بيتك (مت9: 2-6).     
2- وهو كابن الإنسان يوجد في السماء والأرض معاً. كما قال لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو13:3). فقد أوضح أنه موجود في السماء، في نفس الوقت الذي يكلم فيه نيقوديموس على الأرض. وهذا دليل على لاهوته.   
3- قال إن ابن الإنسان هو رب السبت.فلما لامه الفريسيون على أن تلاميذه قطفوا السنابل في يوم السبت لما جاءوا، قائلين له "هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله في السبوت "شرح لهم الأمر وقال "فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً" (مت8:12). ورب السبت هو الله.      
4- قال إن الملائكة يصعدون وينزلون على ابن الإنسان.   
لما تعجب نثنائيل من معرفة الرب للغيب في رؤيته تحت التينة وقال له "يا معلم أنت ابن الله" لم ينكر أنه ابن الله، إنما قال له "سوف ترى أعظم من هذا.. من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان" (يو1:48-51). إذن تعبير ابن الإنسان هنا، لا يعنى مجرد بشر عادى، بل له الكرامة الإلهية. 
5- وقال إن ابن الإنسان يجلس عن يمين القوة ويأتي على سحاب السماء. فلما حوكم وقال له رئيس الكهنة "أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟ أجابه "أنت قلت. وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء" (مت26: 63-65). وفهم رئيس الكهنة قوة الكلمة، فمزق ثيابه، وقال قد جدف. ما حاجتنا بعد إلى شهود!
ونفس الشهادة تقريباً صدرت عن القديس اسطفانوس إذ قال في وقت استشهاده "ها أنا أنظر السماء مفتوحة، وابن الإنسان قائم عن يمين الله" (أع56:7).      
6- وقال إنه كابن الإنسان سيدين العالم. والمعروف أن الله هو "ديان الأرض كلها" (تك25:18). وقد قال السيد المسيح عن مجيئه الثاني "إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه، مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" (مت27:16). ونلاحظ هنا في قوله "مع ملائكته، نسب الملائكة إليه وهم ملائكة الله.
ونلاحظ في عبارة (مجد أبيه) معنى لاهوتياً هو:    
7- قال إنه هو ابن الله له مجد أبيه، فيما هو ابن الإنسان. ابن الإنسان يأتي في مجد أبيه. فهو أبن الإنسان، وهو ابن الله في نفس الوقت. وله مجد أبيه، نفس المج.. ما أروع هذه العبارة تقال عنه كابن الإنسان. إذن هذا اللقب ليس إقلالاً للاهوته ...
8- وقال إنه كابن الإنسان يدين العالم، يخاطب بعبارة (يا رب). فقال: ومتى جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب .. فيقيم الخراف عن يمينه، والجداء عن يساره. فيقول للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملكوت المعد لكم .. فيجيبه الأبرار قائلين: يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك.." (مت25: 31-37).
عبارة (يا رب) تدل على لاهوته. وعبارة (أبى) تدل على أنه ابن الله فيما هو ابن الإنسان.
فيقول "أسهروا لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم" (مت42:24). فمن هو ربنا هذا؟ يقول "أسهروا إذن لأنكم لا تعلمون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان" (مت13:25). فيستخدم تعبير (ربكم) و(ابن الإنسان) بمعنى واحد.        
9- كابن الإنسان يدعو الملائكة ملائكته، والمختارين مختاريه، والملكوت ملكوته. قال عن علامات نهاية الأزمنة : "حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء.. ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظم الصوت، فيجمعون مختاريه.." (مت24: 29-31).
ويقول أيضاً "هكذا يكون في انقضاء هذا العالم: يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار" (مت13: 40-41).  
وواضح طبعاً إن الملائكة ملائكة الله (يو51:1)، والملكوت ملكوت الله (مر1:9)، والمختارين هم مختارو الله.                  
10- ويقول عن الإيمان به كابن الإنسان، نفس العبارات التي قالها عن الإيمان به كابن الله الوحيد.
قال "وكما رفع موسى الحية في البرية، ينبغي أن يرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 14-16).   
هل ابن الإنسان العادي، يجب أن يؤمن الناس به، لتكون لهم الحياة الأبدية. أم هنا ما يقال عن ابن الإنسان هو ما يقال عن ابن الله الوحيد.      
11- نبوءة دانيال عنه كابن للإنسان تحمل معنى لاهوته. إذ قال عنه "وكنت أرى رؤيا الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان. أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً. لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول. وملكوته ما لن ينقرض" (دا13:7، 14). من هذا الذي تتعبد له كل الشعوب، والذي له سلطان أبدى وملكوته أبدى، سوى الله نفسه..؟!  
12- قال في سفر الرؤيا إنه الألف والياء، الأول والآخر ...         
قال يوحنا الرائي "وفى وسط المنائر السبع شبه ابن إنسان.. فوضع يده اليمنى على قائلاً لي: لا تخف أنا هو الأول والآخر، والحي وكنت ميتاً. وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين" (رؤ1: 13-18). وقال في آخر الرؤيا "ها أنا آتى سريعاً وأجرتي معي، لأجازى كل واحد كما يكون عمله. أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر" (رؤ22: 13،12). وكل هذه من ألقاب الله نفسه (أش12:48، أش6:44).
مادامت كل هذه الآيات تدل على لاهوته .. إذن لماذا كان يدعو نفسه ابن الإنسان، ويركز على هذه الصفة؟     
دعا نفسه ابن الإنسان لأنه سينوب عن الإنسان في الفداء. إنه لهذا الغرض قد جاء، يخلص العالم بأن يحمل خطايا البشرية، وقد أوضح غرضه هذا بقوله "لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك" (مت11:18).       
حكم الموت صدر ضد الإنسان، فيجب أن يموت الإنسان. وقد جاء المسيح ليموت بصفته ابناً لهذا الإنسان بالذات المحكوم عليه بالموت.        
لهذا نسب نفسه إلى الإنسان عموماً..        
إنه ابن الإنسان، أو ابن البشر. وبهذه الصفة ينبغي أن يتألم ويصلب ويموت ليفدينا. ولهذا قال "ابن إنسان سوف يسلم لأيدي الناس، فيقتلونه، وفى اليوم الثالث يقوم" (مت17: 24،23) (مت45:26).      
وأيضاً "ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً، ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم" (مر31:8).  
حقاً، إن رسالته كابن الإنسان كانت هي هذه.        
ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك (مت11:18).

 3- يسئ الأريوسيون فهم الآية التي قال فيها سيدنا يسوع المسيح "أبى أعظم منى" (يو28:14). كما لو أن الأب أعظم من الابن في الجوهر أو في الطبيعة!! فما تفسيرها الصحيح؟
 هذه الآية لا تدل على أن الآب أعظم من الابن، لأنهما واحد في الجوهر و الطبيعة واللاهوت.
وأحب أن أبين هنا خطورة استخدام الآية الواحدة. 
فالذي يريد أن يستخرج عقيدة من الإنجيل، يجب أن يفهمه ككل، ولا يأخذ أية واحدة مستقلة عن باقي الكتب، ليستنتج منها مفهوماً خاصاً يتعارض مع روح الإنجيل كله، ويتناقض مع باقي الإنجيل.
ويكفى هنا أن نسجل ما قاله السيد المسيح:
"أنا والأب واحد" (يو30:10).    
واحد في اللاهوت، وفى الطبيعة وفى الجوهر. وهذا ما فهمه اليهود من قوله هذا، لأنهم لما سمعوه "امسكوا حجارة ليرجموه" (يو31:10). وقد كرر السيد المسيح نفس المعنى مرتين في مناجاته مع الآب، إذ قال له عن التلاميذ "أيها الآب أحفظهم في اسمك الذين أعطيتني، ليكونوا واحداً كما أننا واحد" (يو11:17). وكرر هذه العبارة أيضاً "ليكونوا واحداً"، كما أننا لاهوت وتحد وطبيعة واحدة.
وما أكثر العبارات التي قالها عن وحدته مع الآب. 
مثل قوله "من رآني فقد رأى الأب" (يو9:14).   
وقوله للأب "كل ما هو لي، فهو لك. وكل ما هو لك، فهو لي "(يو10:17). وقوله عن هذا لتلاميذه" كل ما للآب، هو لي" (يو15:16). إذن فهو ليس أقل من الآب في شئ، مادام كل ما للآب هو له ... 
وأيضاً قوله "إني أنا في الآب، والأب في"(يو11:14) (يو10: 38،37)،  وقوله للأب "أنت أيها الآب في، وأنا فيك" (يو21:17).. وماذا يعنى أن الآب فيه؟ يفسر هذا قول الكتاب عن المسيح أن "فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً" (كو9:2).   
إذن ما معنى عبارة "أبى أعظم منى"؟ وفى أية مناسبة قد قيلت؟ وما دلالة ذلك؟
قال "أبى أعظم منى "في حالة إخلائه لذاته. كما ورد في الكتاب "لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى ذاته، آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس.." (فى2: 7،6).  
أي أن كونه معادلاً أو مساوياً للآب، لم يكن أمراً يحسب خلسة، أي يأخذ شيئاً ليس له. بل وهو مساو للآب، أخلى ذاته من هذا المجد، في تجسده، حينما أخذ صورة العبد. وفى إتحاده بالطبيعة البشرية، صار في شبه الناس ...         
فهو على الأرض في صورة تبدو غير ممجدة، وغير عظمة الآب الممجد. 
على الأرض تعرض لانتقادات الناس وشتائمهم واتهاماتهم. ولم يكن له موضع يسند فيه رأسه (لو58:9). وقيل عنه في سفر أشعياء إنه كان "رجل أوجاع ومختبر الحزن" "محتقر ومخذول من الناس" "لا صورة له ولا جمال، ولا منظر فنشتهيه" (أش53: 3،2). وقيل عنه في آلامه إنه "ظلم، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه" (اش7:53). هذه هي الحالة التي قال عنها "أبى أعظم منى".
لأنه أخذ طبيعتنا التي يمكن أن تتعب وتتألم وتموت.        
ولكنه أخذها بإرادته لأجل فدائنا، أخذ هذه الطبيعة البشرية التي حجب فيها مجد لاهوته على الناس، لكي يتمكن من القيام بعمل الفداء .. على أن احتجاب اللاهوت بالطبيعة البشرية، كان عملاً مؤقتاً انتهى بصعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب.. ولذلك قبل أن يقول "أبى أعظم منى" قال مباشرة لتلاميذه:   
"لو كنتم تحبونني، لكنتم تفرحون لأني قلت أمضى إلى الآب، لن أبى أعظم منى" (يو28:14).
أي أنكم حزانى الآن لأني سأصلب وأموت. ولكنني بهذا الأسلوب: من جهة سأفدى العالم وأخلصه. ومن جهة أخرى، سأترك إخلائي لذاتي، وأعود للمجد الذي أخليت منه نفسي. فلو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون إني ماض للآب.. لأن أبى أعظم منى.   
أي لأن حالة أبى في مجده، أعظم من حالتي في تجسدي.  
إذن هذه العظمة تختص بالمقارنة بين حالة التجسد وحالة ما قبل التجسد. ولا علاقة لها مطلقاً بالجوهر والطبيعة واللاهوت، الأمور التي قال عنها "أنا والأب واحد" (يو3:10). فلو كنتم تحبونني، لكنتم تفرحون أنى راجع إلى تلك العظمة وذلك المجد الذي كان لي عند الآب قبل كون العالم (يو5:17).       
لذلك قيل عنه في صعوده وجلوسه عن يمين الآب إنه "بعد ما صنع بنفسه تطهيراً عن خطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب3:1).    
وقيل عن مجيئه الثاني أنه سيأتي بذلك المجد الذي كان له.         
قال إنه "سوف يأتي في مجد أبيه، مع ملائكته. وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" (مت27:16). ومادام سيأتي في مجد أبيه، إذن ليس هو أقل من الآب ... 
وقال أيضاً إنه سيأتي "بمجده ومجد الآب" (لو26:9).   
ويمكن أن تؤخذ عبارة "أبى أعظم منى" عن مجرد كرامة الأبوة.
مع كونهما طبيعة واحدة ولاهوت واحد. فأي ابن يمكن أن يعطى كرامة لأبيه ويقول "أبى أعظم منى" مع أنه من نفس طبيعته وجوهره. نفس الطبيعة البشرية، وربما نفس الشكل، ونفس فصيلة الدم.. نفس الطبيعة البشرية، وربما نفس الشكل، ونفس فصيلة الدم.. نفس الطبيعة البشرية، ونفس الجنس واللون. ومع أنه مساو لأبيه في الطبيعة، إلا أنه يقول إكراماً للأبوة أبى أعظم منى.
أي أعظم من جهة الأبوة، وليس من جهة الطبيعة أو الجوهر.     
أنا- في البنوة- في حالة من يطيع.   
وهو- في الأبوة- في حالة من يشاء.
وفى بنوتي أطعت حتى الموت موت الصليب (فى8:2).

  4- نقول إن المسيح ابن الله. فهل هو أصغر منه، لأن الابن عادة يكون أصغر من الآب. وقد رأيت أيقونة في كاتدرائية بالخارج. فيها صورة الآب بلحية بيضاء، والابن بلحية سوداء.
 أولاً: الأيقونة التي رأيتها في الخارج، فيها أكثر من خطأ:
أ‌- الخطأ الأول هو تصوير الآب. بينما الإنجيل يقول "الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر" (يو18:1).    
ولذلك لما أراد الأب أن نراه، رأيناه في ابنه الظاهر في الجسد (1تى16:3). وهكذا قال السيد المسيح "من رآني فقد رأى الأب" (يو9:14). 
ب- الخطأ الثاني هو تصوير الأب بلحية بيضاء، والابن بلحية سوداء، مما يوحى بأن الأب أكبر من الابن سناً. وهذا خطأ لاهوتي، لأنهما متساويان في الأزلية. ولم يحدث في وقت من الأوقات أن الأب كان بغير الابن. فالابن اللوجوس
Logos هو عقل الله الناطق، أو نطق الله العاقل (الكلمة). وعقل الله كان في الله منذ الأزل، بلا فارق زمني. ولهذا فإنني عندما رأيت هذه الصورة في مشاهدتي لكنائس الفاتيكان سنة 1973- قلت للكاردينال الذي يرافقني "هذه الصورة أريوسية. ربما الفنان الذي رسمها كانت له موهبة فنية كبيرة. ولكن بغير دراسة لاهوتية سليمة" ...   
ثانياً: الابن يكون أصغر من الأب في الولادة الجسدانية، ولكن ليس في الفهم اللاهوتي. وممكن أن توجد ولادة طبيعية بغير فارق زمني.     
فمثلاً الحرارة تولد من النار، بدون فارق زمني. لأنه لا يمكن أن توجد نار بدون حرارة تتولد منها. إنها ولادة طبيعية، لا نقول فيها إن المولود أقل عمراً أو زمناً.
مثال آخر هو ولادة الشعاع من الشمس، بلا فارق زمني على الإطلاق.    
هذه هي خصائص الولادة الطبيعية، وهى غير الولادة الجسدية الزمنية.  
إنها كولادة النبض من القلب، وولادة الفكر من العقل، والقياس مع الفارق
...

 5- قال السيد المسيح "مجدني أنت أيها الأب عند ذاتك، بالمجد الزى كان لي عندك قبل كون العالم" (يو5:17). وهنا يسأل الأريوسيون: هذا الذي يطلب من الأب أن يمجده، هل من المعقول أن يكون مساوياً للآب الذي يمجده؟
 1- هذه العبارة ذاتها تثبت لاهوت المسيح. فهو يقول "المجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم". إذن فهو موجود قبل كون العالم، وموجود في مجد. ذلك لأن العالم به كان، بل كل شئ به كان (يو1: 3،10).
أما هذا المجد الذي كان له عند الأب، فهو أنه "بهاء مجده، ورسم جوهره" (عب3:1). ولاشك أن هذا يعنى المساواة ...   
2- إن كان الأب يمجد الابن، يمجد الأب أيضاً. فهو قبل عبارة "مجدني" يقول "أنا مجدتك على الأرض" (يو4:17) إذن هو تمجيد متبادل بين الأب والابن. لذلك هو يقول في بدء هذه المناجاة "أيها الأب قد أتت الساعة. مجد ابنك، ليمجدك ابنك أيضاً" (يو1:17).
3- وهنا نسأل ما معنى التمجيد، إذا ذكر عن الأب أو عن الابن؟! بل ما معنى أن البشر أنفسهم يمجدون الله؟ كما يقول الرسول "مجدوا الله في أجسادكم وفى أرواحكم التي هي لله" (1كو20:6). أو كما يقول الرب في العظة على الجبل ".. ليروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت16:5).         
4- تمجيد الله لا يعنى إعطاءه مجداً ليس له!! حاشا. إنما معناه الاعتراف بمجده أو إظهار مجده.
فعبارة "أنا مجدتك على الأرض" معناها: أظهرت مجدك، أعلنته، جعلتهم يعترفون بمجدك. عرفتهم اسمك. أعطيتهم كلامك" (يو17).       
تماماً مثل عبارة "باركوا الرب" أي اعترفوا ببركته، أو أعلنوا بركته. وهكذا قول السيد المسيح "أيها الأب مجد اسمك" (يو28:12)، أي أظهر مجده، أعلنه. وبنفس الوضع إجابة الأب "مجدت، وأمجد أيضاً"، أي أظهرت ذلك. كذلك عبارة "مجدني" لا تعطني مجداً جديداً، فهو مجد كان لي عندك قبل كون العالم. فما معناها؟
5- تعنى أظهر هذا المجد الذي احتجب بإخلاء الذات (فى7:2).   
حينما أخذت شكل العبد، وصرت في الهيئة كإنسان "لا صورة له ولا جمال. محتقر ومخذول من الناس" (أش53: 3،2).
إذن يتمجد يعنى يسترد المجد الذي أخلى ذاته منه، الذي حجبه بتجسده. اسمح الآن- بعد الصليب، وفى الصعود- أن فترة الإخلاء تنتهي لأن "العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يو4:17).         
6- اسمح أن الناسوت يشترك مع اللاهوت في المجد. وهكذا يشير الرسول إلى "جسد مجده" (فى21:3) ... هذا الجسد الممجد الذي صعد به إلى السماء ليجلس عن يمين الأب.  
7- مجده، يشير أيضاً إلى صلبه. الذي اتحد فيه مجد الحب الباذل، ومجد العدل المتحد بالرحمة. مجده حينما ملك على خشبة (مز95)، واشترانا بثمن. وهكذا نرتل له يوم الجمعة العظيمة قائلين "لك القوة والمجد.. عرشك يا الله إلى دهر الدهور" (مز6:45) (عب8:1).  
لهذا لما خرج يهوذا ليسلمه قال "الآن تمجد ابن الإنسان، وتمجد الله فيه" (يو31:12). أي بدأ مجده كمخلص وفاد ومحب.. وقال بعدها "فإن كان الله قد تمجد فيه، فإن الله سيمجده في ذاته، ويمجده سريعاً".       
8- نلاحظ ذلك أيضاً في علاقة الابن بالروح القدس:         
قال عن الروح القدس "ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو14:16). يمجدني هنا، لا تعنى أن الروح القدس أكبر من الابن فيعطيه مجداً، لأن الابن يقول عنه "يأخذ مما لي". ولا تعنى أن الابن أعظم، فهما أقنومان متساويان. إنما تعنى يظهر مجده للناس.    
9- وظهر ذلك أيضاً من جهة استجابة الأب للصلاة عن طريق الابن. إذ قال الرب لتلاميذه "ومهما سألتم باسمي فذاك أفعله. ليتمجد الأب بالابن" (يو13:14). يتمجد الأب تعنى يظهر مجده في استجابته. وعبارة بالابن، لأن الصلاة باسمه، أي عن طريقه ...    
10- إن الله لا يزيد ولا ينقص سواء من جهة المجد أو غيره. لا يزيد، لأنه لا يوجد أزيد مما هو فيه. لا يأخذ مجداً أزيد، لن طبيعته لا حدود لها. ولا ينقص، لأن هذا ضد كمال لاهوته ...     
فعبارة مجدني لا تعنى أعطني مجداً ليس لي، إنما أظهر مجدي الأزلي وبالمثل عبارة "مجدتك"، وكل تمجيد متبادل بين الأقانيم.