02‏/03‏/2012

الكتاب المقدس والإنسان المعاصر

الكتاب المقدس والإنسان المعاصر
لاشك أن الحاجة العظمى للإنسان عموماً، وبخاصة الإنسان المعاصر، هى الكتاب المقدس. فهذا الإنسان بالذات فى حاجة إلى كلمة الله الحية الفعالة، التى هى روح وحياة، لكى  ما بهذه الكلمة يشبع كل احتياجاته، وينير طريقه، سعياً إلى السلام على الأرض، والخلاص من الخطيئة، والفرح فى الملكوت. والكتاب المقدس هو الطريق الوحيد إلى ذلك كله!!
حاجات الإنسان المعاصر
يحتاج الإنسان - وبخاصة فى هذا العصر - إلى :
1- المعرفة. 
 2- المرجعية.
 3- الخلاص.
 4- الخلود.
وهذه الاحتياجات الأربعة يستحيل أشباعها إلا من خلال الكتاب المقدس...
1- الحاجة إلى المعرفة
إن صيحة الإنسان - منذ القديم - هى رغبته فى أن يعرف...
† "بم يزكى الشاب طريقه؟ بحفظه إياه حسب كلامك" (مز 9:119).
† "بكل قلبى طلبتك. لا تضلنى عن وصاياك" (مز 10:119).
† "خبأت كلامك فى قلبى، لكيلا أخطئ إليك" (مز 11:119).
† "غريب أنا فى الأرض، لا تخف عنى وصاياك" (مز 19:119).
† "لصقت بالتراب نفسى، فأحينى حسب كلمتك" (مز 25:119).
† "طريق وصاياك فهمنى، فأناجى بعجائبك" (مز 27:119).
† "بشريعتك ارحمنى" (مز 29:119).
† "أمل قلبى إلى شهاداتك لا إلى المكسب" (مز 36:119).
† "اتكلت على كلامك" (مز 42:119).
† "اذكر لعبدك القول الذى جعلتنى انتظره. هذه هى تعزيتى فى مذلتى، لأن قولك أحيانى" (مز 49:119،50).
† "قبل أن أذلل أنا ضللت، أما الآن فحفظت قولك" (مز 67:119).
† "أنا بشريعتك أتلذذ" (مز 70:119).
† "شريعة فمك خير لى من ألوف ذهب وفضة" (مز 72:119).
† "تاقت نفسى إلى خلاصك. كلامك انتظرت" (مز 81:119).
† "إلى الدهر لا أنسى وصاياك لأنك بها أحييتنى" (مز 93:119).
† "سراج لرجلى كلامك، ونور لسبيلى" (مز 105:119).
† "شهاداتك... هى بهجة قلبى" (مز 111:119).
† "اسندنى فأخلص، وأراعى فرائضك دائماً" (مز 117:119).
† "عبدك أنا. فهمنى فأعرف شهاداتك" (مز 125:119).
† "فتح كلامك ينير، يعقل الجهال" (مز 129:119).
† "ثبت خطواتى فى كلمتك، ولا يتسلط علىّ إثم" (مز 133:119).
† "عادله شهاداتك إلى الدهر، فهمنى فأحيا" (مز 144:119).
وارجو أن يلاحظ القارئ الحبيب بركات كلمة الله فى حياتنا، والتى تتضح لنا من خلال الآيات السابقة، مثل: حياة البر - حياة الغربة - حياة الروح - الفهم - الرحمة - المكسب - اللذة الروحية - الاستنارة - الفرح - الخلاص - التعقل - الثبات...
إن كلمة الله هى النور الذى يشرق على الذهن، فيعرف الإنسان كيف يميز بين النور والظلمة، وبين الخطأ والصواب... وكذلك يعرف الإجابة عن كل الأسئلة التى طالما احتارت البشرية فى إجابتها مثل :
† من خلق هذا الكون؟
 † ولماذا؟
 † وكيف؟
† ولماذا الشر والألم؟
 † وما الطريق إلى الخلاص.
 † وما السبيل إلى عشرة الرب؟
لهذا فكل من تفطن بكلمة الله، عرف الإجابة، وذلك بعكس من أنكر وجود الله، أو رفضه، أو حاول إلغاءه، كما فعلت أطياف كثيرة من البشر مثل :
† الملحدون... الذين أنكروا وجود الله، ونادوا بأنه ليس هناك إله! متجاهلين صوت الله فى قلوبهم (الضمير)، وصوته فى الطبيعة (الكون)، وحياته التى تدب فينا، ورقم
ما لا نهاية ( ) المقبول منطقياً دون أن نحتويه.
† الوجوديون... الذين رفضوا وجود الله، مثل ذلك الذى قال لله: "يا أبانا الذى فى السموات، ابق فيها".
† العبثيون... الذين نادوا باللامعنى فى هذا الوجود، معتبرين أن هذا الوجود زائد عن الحاجة، وأن الإنسان يخرج من ظلمة الرحم إلى ظلمة الحياة، وينتهى إلى ظلمة القبر.. إذ ليس لديهم نور الله الموجود والعامل فى هذه جميعاً: الرحم والأرض وما بعد الموت.
† اللا أدريون... الذين نادوا بأنهم لا يدرون شيئاً! الذين يجيبون عن كل الأسئلة بعبارة "لست ادرى": من أين جئت؟ وإلى أين أنا ذاهب؟ لست أدرى.
† الماركسيون... الذين ألهوا المادة والإنسان متجاهلين أن المادة محدودة والإنسان مائت!! وأن الله غير المحدود، هو سر الحياة الجسدية والأبدية.
† نيتشه... الذى قال: إن الله قد مات. ومات نيتشه ويبقى الله حياً إلى الأبد! وبقيت كلمته حية وفعالة... وستبقى أبد الدهر!!
2- الحاجة إلى المرجعية
إنه احتياج نفسى هام، وإحتياج حياتى لا غنى عنه!! فالإنسان لديه إحتياجات نفسية هامة مثل: الحاجة إلى الحب، والأمن، والتقدير، والنجاح، والخصوصية، والإنتماء... وكذلك الحاجة إلى المرجعية! أى أن يكون له مرجع يرجع إليه فى كل خطوات وتفاصيل حياته، فى الحاضر، والمستقبل، وإلى الأبد!
ويرى الدارسون أن الإنسان عبر على ثلاث مراحل فى موضوع المرجعية، وهى :
1- مرحلة التدين الأخلاقى : وتواكب عصر الزراعة، وفيها كان المرجع هو التدين، وهو الله. وعاش الإنسان فى إيمان بالقوة العظمى الإلهية، التى تسقط الأمطار، وتصنع الأنهار، وتنمى البذار، وتشبع حاجات الإنسان الأساسية. وكان الله هو "الحقيقة المطلقة
Absolute Reality" رغم كل التشويهات التى حدثت فى الوثنية (حيث لم يفهموا الله حسناً، وتجاهلوا صوت الله داخلهم، وتجليات الله فى الكون، والتقليد الشفاهى الموروث)، وكذلك فى العصور الوسطى (حيث تحكم الدين فى السياسة، وصار الإمبراطور خاضعاً لبابا الفاتيكان، مما أحدث ثورة مقابلة هى البروتستانتية، حيث أرادت ألمانيا أن تتخلص من نير روما، فجاءت الشطحات والتفسيرات المتحررة من التقليد الكنسى، والتسليم الآبائى، حتى وصلنا إلى مدارس نقد الكتاب)... وهذا ما تواكب مع المرحلة الثانية وهى:
2- مرحلة الحداثة (
Modernism) : وتواكب عصر الصناعة، حيث بدا الإنسان يؤله عقله، ويترك الله والإيمان، ويرى فى العلم بديلاً للدين، فها هو يصنع السيارة والطيارة والماكينة والقطار... وها هو يرى فى عقله إمكانيات خلاقة، فأصبح هو المرجع الأول والأخير لنفسه، فما يقول به العقل، هو المقبول، وما لا يتفق مع العقل (علمياً وحسياً وفحصاً) فهو غير مقبول. ونسى إنسان هذا العصر أن الله هو الذى خلق العقل، كوزنة يجب أن تمجده، وأن المنجزات العلمية فيها ومضة glimpse من فوق، تنير العقل، وتلهمه بالصواب. فكل البشرية منذ آدم كانت ترى الثمار تسقط من الأشجار، لكن ومضة أشرقت فى ذهن نيوتن، فأكتشف قانون الجاذبية الأرضية! وكل الناس شاهدت غطاء البراد يهتز بقوة البخار، لكنه وحده الذى رأى فى البخار قوة تسيِّر القطار!
لهذا قال نيوتن حين سئل عن شعوره وهو يكتشف قوانين الطبيعة التى غيَّرت وجه الحياة على الأرض: "كنت كطفل صغير، يلهو على شاطئ محيط ضخم"، كما قال اينشتاين: "كلما ازددت علماً، ازددت إحساساً بالجهاله!!"، فكلما وجد حلاً لمشكلة، ظهرت أمامه مشاكل أخرى كثيرة!!
إن العلم السليم يدعم الإيمان السليم. فالعلم مثل العين المجردة، والإيمان مثل التلسكوب، لا غنى لأحدهما عن الآخر. وبالإيمان يستنير العقل... "بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله" (عب 3:11). الإيمان لا يصادر العقل، ولكنه فوق العقل. "وأنا أؤمن لكى أتعقل"... هكذا قال القديس أغسطينوس.
3- مرحلة ما بعد الحداثة : وهى ما نحياه فى العصر الحاضر، أو ما يسمى "ما بعد الحداثة" (
Post - modernism)... وفيه تم الابتعاد عن المرجعين السابقين: الله، والعقل، وصار المرجع هو الـ "Culture"، أى "أسلوب الحياة"... وأصبح لكل إنسان أو مجموعة من البشر الأسلوب الذى يحبونه، ويتفق مع مزاجيتهم، ويجب أن يعيشوا بحسبه، بغض النظر عن الخطأ والصواب، فكل شئ مقبول، مادام لا يمسّ حرية الآخرين: أى دين، وأى مذهب، وأية أخلاقيات، وأى سلوك جنسى... الكل مقبول مادام لا يمسّ حريات الآخرين. ومن خلال هذا الـ Culture أصبح هناك كل شئ مباحاً: الجنس الطبيعى، والجنس الشاذ، وما هو أبشع من ذلك!! المهم أن "حريتك تنتهى عند طرف أنفك"!!، أى أن تفعل ما شئت دون أن تتدخل فى حرية الآخرين أو تسقط تحت طائلة القانون!
وأصبحت الفلسفة المعاصرة (
New Age Movement) تقول: "All is God - All is Good - All is one"...
1- الكل هو الله : الإنسان والنبات والجماد (Pantheisme)، فكل الكون بمشتملاته "أجزاء" من الله الواحد...
2- الكل جيد ومقبول : أى دين، أى مذهب، أى سلوك جنسى، ليس هناك خطأ وصواب...
3- الكل واحد : فهذه الفلسفة ستجمع البشرية إلى واحد، بدلاً من الأديان التى تفرقنا!!
أين المرجعية؟ لا توجد!!
أين الحقيقة؟ لا توجد حقيقة مطلقة، بل هناك
Relative reality، أى "حقيقة نسبية"... وهكذا تاه الإنسان، بل حتى بعض الكنائس، حيث اعتمدوا كهنوت المرأة (مخالفة للكتاب المقدس والتقليد على مدى التاريخ)، وقننوا الشذوذ الجنسى، والبقية تأتى. لقد تجاسر بعض الانجليكان - بسبب غياب المرجعية - أن يتم التصويت على آيات واضحة فى الكتاب المقدس، دستور المسيحية، فرفضوا ما قاله بولس الرسول ضد الشذوذ الجنسى، مدّعين أن ما قاله المسيح شئ، وما قاله بولس شئ آخر، ومتناسين أن "كل الكتاب هو موحى من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذى فى البر، لكى يكون إنسان الله كاملاً، متأهباً لكل عمل صالح" (2تى 16:3،17). وأنه "لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط 21:1).
من هنا تأتى حاجة الإنسان إلى "المرجعية العليا" ممثلة فى الكتاب المقدس، ليس فقط كاحتياج نفسى، بل كاحتياج عملى، ليستطيع أن يحكم على كل شئ، ويميز "الأمور المتخالفة" (رو 18:2، فى 10:1)، لهذا نحتاج إلى نور الكلمة أثناء مسيرة الحياة، لنعرف كيف نختار، وكيف نميز بين الخير والشر، وبين المقبول وغير المقبول، والبنَّاء وغير البناء، تحكمنا ثلاثة مبادئ :
 †"كل الأشياء تحل لى، لكن ليس كل الأشياء توافق" (1كو 23:10).
 † "كل الأشياء تحل لى، لكن ليس كل الأشياء تبنى" (1كو 23:10).
 † "كل الأشياء تحل لى، لكن لا يتسلط علىّ شئ" (1كو 12:6).
وهكذا، فبالذهن المستنير بنور الروح القدس، وفعل الكلمة الإلهية المقدسة، نستطيع أن نقتنى المرجعية التى نلجأ إليها، فى كل أمور حياتنا.
من هنا كانت حاجتنا إلى كلمة الله ونور المسيح.
3- الحاجة إلى الخلاص
الكتاب المقدس هو دليل طريق الخلاص، ففيه يجد الإنسان المعاصر ركائز الخلاص بوضوح، ليسير على هديها، فيصل إلى مبتغاه السماوى. وركائز الخلاص - كما تتضح فى كلمة الله هى :
أ- الإيمان :
† "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص.." (أع 31:16).
† "من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن" (مر 16:16).
† "هكذا أحب الله العالم.. لكى لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية"
(يو 16:3).
† "كل من ينكر الابن ليس له الآب" (1يو 23:2).
† "هذه هى وصيته أن نؤمن باسم ابنه يسوع المحب، ونحب بعضنا بعضاً" (1يو 23:3).
† "هذه هى الغلبة التى تغلب العالم: إيماننا" (1يو 4:5).
† "من هو الذى يغلب العالم، إلا الذى يؤمن أن يسوع هو ابن الله" (1يو 5:5).
† "من له الابن فله الحياة، ومن ليس له ابن الله، فليست له الحياة" (1يو 12:5).
† "ونعلم أن ابن الله قد جاء، وأعطانا بصيرة لنعرف الحق، ونحن فى الحق فى ابنه يسوع المسيح، هذا هو الإله الحق، والحياة الأبدية" (1يو 20:5).
وهنا نتوقف لنقول إن الإيمان بالله وحده لا يكفى للخلاص، فاخناتون نفسه كان يؤمن بالله، وكذلك أديان كثيرة.. الإيمان السليم هو أن نؤمن بالله الواحد، المثلث الأقانيم، وأن الابن تجسد لأجل خلاصنا، وفدانا على الصليب، وقام عنا، وصعد لأجلنا إلى السموات، وأرسل المعزى، وأسس الكنيسة جسده، ووضع فيها الأسرار المقدسة، راسماً لنا طريق الحياة الأبدية، بعد الخلاص من الخطية، وبعد تغيير أجسادنا إلى أجساد نورانية..
وبعد الإيمان الشخصى (فى الكبار) أو على إيمان الوالدين (فى الأطفال) تأتى المعمودية وبقية الأسرار، كما تأتى الأعمال الصالحة.
كيف نعرف هذا كله؟ من خلال دراستنا للكتاب المقدس.
ب- الأسرار المقدسة :
فالإيمان النظرى بالمسيح، لا يكفى وحده للخلاص، إذ لابد من ممارسة الأسرار المقدسة: المعمودية التى تجددنا، والميرون الذى يثبتنا، والتناول الذى به يثبت المسيح فينا، والتوبة التى تجدد لنا عهد المعمودية، والاعتراف الذى من خلاله تغفر الخطايا، وسر مسحة المرضى الذى يشفى الروح قبل الجسد، وحتى دون الجسد، والزيجة التى تساعد والمدعويين للزواج فى الحياة الطاهرة، وبالتالى فى الخلاص. ثم يأتى سر الكهنوت الذى يخدم كل الأسرار السابقة..
ونحن نعرف أن هذه الأسرار المقدسة مذكورة بغاية الوضوح فى الكتاب المقدس. وجميعنا نعرف هذه الآيات - وهذا يستدعى دراسة كلمة الله - بالنسبة للإنسان المعاصر - لكى يخلص من قبلها، وليكون إيمانه حياً وفعالاً!
ج- الأعمال الصالحة :
لأن الكتاب يعلمنا أن "الإيمان بدون أعمال، ميت" (يع 20:2)... والرسول يعقوب يتحدى من يتحدث عن كفاية الإيمان النظرى، أن يثبت صدق إيمانه بدون أعمال، معلناً أنه قادر أن يرينا إيمانه (غير المنظور) بأعماله (المنظورة).
ومع أن الرسول بولس ركز على الإيمان، على أساس أنه يسبق - زمنياً - الأعمال، إلا أنه تحدث كثيراً عن الأعمال، حين قال مثلاً أن الله "خلقنا لأعمال صالحة سبق الله فأعدها، لكى نسلك فيها" (أف 10:2).
وقد خصص الرسول بولس قسماً من كل رسالة من رسائله، بعد أن يكون قد شرح الأساس اللاهوتى النظرى للإيمان المسيحى، ذاكراً التطبيقات العملية المطلوبة من الإنسان المسيحى فى حياتى اليومية.
ومع أنه هتف قائلاً: "إذن لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع" (بالإيمان)، أضاف قائلاً: "السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح" (الأعمال)
(رو 1:8).
د- تغيير الجسد :
فهو ختام عملية الخلاص التى تستغرق العمر كله: "تمموا خلاصكم بخوف ورعدة"
(فى 12:2).. ففى خلع الجسد العتيق، ولبس الجسد النورانى فى اليوم الأخير، نتم قصة خلاصنا، وعملية تغييرنا، لنكون مناسبين للملكوت السمائى. وجسدنا فى القيامة
جسد نورانى، روحانى، سمائى، ممجد، كما يتضح من شواهد كتابية كثيرة مثل:
(1كو 35:15-58)، (1تس 13:4-18)، (1بط 5:1)، (فى 20:3،21).
من يستطيع أن يرشد الإنسان المعاصر إلى كل ذلك؟..
ليس سوى الكتاب المقدس!!
4- الحاجة إلى الخلود
فى أعماق الإنسان - كما يقول الفلاسفة والمفكرون - "العطش والجوع إلى المطلق" أى إلى اللانهائى. لذلك ففى أعماق الإنسان عطش إلى الخلود واللانهاية. ويستحيل أن يشبع هذا العطش غير المحدود إلا بكائن غير محدود هو الله متجسداً فى رب المجد يسوع، الذى يسكن فى قلوبنا ويروى ظمأ نفوسنا وأرواحنا وعقولنا!
إن كل ما فى هذا العالم محدود، ولهذا قال الرب للسامرية: "كل من يشرب من هذا الماء (الأمور المحدودة) يعطش أيضاً، ولكن من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا (ماء الحياة الأبدية)، فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذى أعطيه يصير ينبوع ماء، ينبع إلى حياة أبدية" (يو 13:4،14).
من هنا كانت محاولات الأرتواء والشبع الإنسانى، من الأمور المحدودة، فاشلة وغير كافية، فمثلاً :
أ- قد يجتهد إنسان فى جمع المال، ولكنه حتى بعد أن يصير مليارديرا لا يشبع، ويطلب المزيد، ولا يحس بالكفاية!
ب- وآخر قد يجتهد فى تحصيل العلم، فيحص على شهادات دكتوراه كثيرة، ولكنه يظل يطلب المزيد، كما قال "اينشتاين": "كلما ازددت علماً، ازددت إحساساً بالجهالة" وكما قال نيوتن: "كنت كطفل صغير، يلهو على شاطئ محيط ضخم".
ج- وقد يجتهد آخر فى الفكر والفلسفة، ويحاول أن يسبر أغوار الحياة، والخليقة،
وما قبلها، وما بعدها، والموت، وماذا بعد الموت.. ولا يشبع.. بل يقف عاجزاً وحائراً، فالعقل المحدود، كيف يستوعب الله غير المحدود؟!
د- وقد ينغمس آخر فى ممارسة الخطيئة، دون أن يشبع إطلاقاً، بل يتحول إلى "الإدمان الجنسى"، وهو نوع من الأمراض، يجتاح العالم الآن (
Sex Addiction) وكلمة (Addiction) مستمدة من كلمة (Add) أى "زيادة"، فهو يزيد الجرعة بإستمرار، ودون شبع أو اكتفاء..
وهنا يظهر رب المجد يسوع، ليشبع نفوسنا وقلوبنا وأرواحنا، بشخصه اللانهائى غير المحدود، فلا نشعر بالحاجة إلى شئ، بل وحتى إلى شخص، أو موقع، فالمسيح يصير شبعنا اللانهائى، كما كان لآبائنا القديسين الذين تركوا العالم والمادة وكل المحدودات، وشبعوا بغير المحدود. انحلوا عن الكل، ليتحدوا بالواحد. وصار شعارهم - كما علمنا قداسة البابا شنوده الثالث :
- لست أريد شيئاً من العالم، فليس فى العالم شئ اشتهيه.
- لست أريد شيئاً من العالم، لأن العالم أفقر من أن يعطينى.
- لست أريد شيئاً من العالم، فأنا لست من العالم.
- لست أريد شيئاً من العالم، لأنى أبحث عن الباقيات الخالدات.
- لست أريد شيئاً من العالم، لأن هناك من أطلب منه.
إن الحاجة إلى الخلود هى من أهم احتياجات الإنسان منذ بدء الخليقة، لهذا بنى الأهرامات، ووضع التماثيل بجوار الجثمان المسجى فى القبر، لتتعرف عليه الروح عند القيامة. لهذا قالوا: "لو وضعنا الكرة الأرضية فى قلب الإنسان المثلث، تبقى زوايا المثلث فارغة. ولا يشبع قلب الإنسان المثلث، إلا الله المثلث الأقانيم".
من هنا جاءت حاجة الإنسان المعاصر إلى الكتاب المقدس، نوراً، ومعرفة، وحياة. وصار الكتاب بالنسبة إلينا :
1- كلام الله : الذى يرسم لنا طريق الخلاص والحياة الأبدية.
2- وتاريخ معاملات الله مع البشر : فى العهدين القديم والجديد.
3- مكان لقاء وتفاعل الإنسان مع الله : فى كافة مواقف الحياة من هزيمة إلى نصرة إلى مواعيد..
4- مدرسة اختبارات : نرى فيها كيف سار رجال الله مع الله فكانت حياتهم ناجحة ومثمرة، وكيف سار الأشرار فى الدنيا والآخرة.
5- طرق دراسة كلمة الله   
توجد طرق كثيرة لدراسة الكتاب المقدس، فالكتاب محيط شاسع مهما غصنا فيه لن نوفيه حقه ولن نستوعب إلا القليل. ولاشك أن هناك طرقاً عالية ومتخصصة فى دراسة الكتاب ولكننا هنا نقصد الطرق البسيطة التى تناسبنا كخدام مبتدئين وهى :
1- الطريقة العملية :
وهذه أهم الطرق وتناسب الإنسان المتعلم والبسيط. نقرأ الإصحاح ببساطة، ونفهم الوصايا الإلهية التى وردت فيه، ونطلب من الرب نعمة لكى ننفذها فعلاً.
مثلاً: حين أقرأ الآية "أن أخطأ إليك أخوك فأذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما" (مت 15:18)، اسرع إلى صديقى الذى كان قد أخطأ إلى وأعاتبه فى محبة وأكسبه من جديد. وحين أقرأ الآية: "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا فى تجربة" (مت 41:26)، أنظر حياتى فعلاً وأبدأ بأن أواظب على الصلاة بأمانة حتى لا أقع فى تجربة. وحين أسمع قول الرب "من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه" (مت 28:5)، أطلب منه بدموع أن يطهر نظراتى لتصير مقدسة... وهكذا.
وهذه كانت طريقة آبائنا القديسين حين كان الإنجيل غير مطبوع والنسخ الموجودة منه قليلة جداً، ولكنهم بسبب طاعة الوصية صاروا قديسين بل صاروا أناجيل متحركة بين الناس وكسبوا نفوساً كثيرة للمسيح. لقد سمع القديس أنطونيوس آية من شماس فى الكنيسة فمضى، وباع كل ما كان له، وتبع المسيح، فصار سبب بركة لكل العالم ولكل الأجيال.
2- الطريقة التأملية :
وهذه طريقة مهمة ومشبعة، فيها يقرأ الإنسان بعض الآيات، ويكررها فى هدوء وعمق، ثم يبدأ يناجى بها الله معبراً عن شكره إذا كانت الآيات تتحدث عن عمل الله معنا، أو عن انسحاقه إذا كانت تبكته على خطاياه، أو عن فرحه بالرب أن كانت تشرح له حب الله للنفس البشرية كما فى سفر النشيد وهكذا.
مثلاً: حين يقرأ الآية: "محبوب هو أسمك يارب فهو طول النهار تلاوتى" (مز 97:119). يبدأ يناجى الرب قائلاً: مستحق يارب أن أحبك، لأنك فديتنى وجهزت لى خلاصاً ثميناً وأبدية سعيدة، لكنى مسكين لأن محبتى للعالم وللجسد وللبشر كثيراً ما تحرمنى منك.. متى تكون محبوباً حتى الأعماق؟! متى يصير أسمك طول النهار تلاوتى؟! متى أردد صلاة يسوع بإستمرار: "ياربى يسوع المسيح ارحمنى، يارب يسوع المسيح أعنى، أنا أسبحك ياربى يسوع المسيح".
وهكذا تشبع النفس بكلمات الكتاب، وتتحول الكلمات إلى صلوات، والصلوات إلى شبع وقوة.
3- الطريقة الدراسية :
وهذه طريقة مهمة أيضاً لأننا حين نقرأ كلام الله بدون فهم تقل استفادتنا منه، أما إذا فهمناه ودرسناه بتعمق يسهل أن نشبع به ونمتلئ منه. والمقصود بهذه الطريقة أن ندرس الجزء المقصود بعمق وتحليل. مثلاً فى رسالة رومية قد أقرأ ولا أفهم المقصود، ذلك لأنه يلزم أن أدرس مقدمة لهذه الرسالة تتحدث عن سبب وموضوع وأقسام الرسالة وأفكارها الرئيسية وهكذا أبدأ أن أفهم ثم أتعمق فى الدراسة فأقرأ كتاباً تفسيرياً للرسالة، ثم أقرأ كتباً مختلفة عنها، وهكذا. أنها دراسة تفصيلية للسفر، أو لموضوع فيه، أو لشخصية من شخصياته... وهكذا أتعمق فى دراسة كلمة الله المشبعة.
لقد كتب الآباء والمفسرون ملايين الصفحات فى تفسير الكتاب المقدس، ومازال الباب مفتوحاً للمجتهدين!
* هذه الطرق الثلاث تتكامل وتشد بعضها بعضاً، لذلك يستحسن أن أطبقها فى حياتى بالصورة التالية :
1- أقرأ فى الصباح إصحاحاً من العهد الجديد، وأتأمل فيه مناجياً الرب يسوع (الطريقة التأملية)، ثم أخذ وصية معينة وأحاول تطبيقها طول اليوم (الطريقة العملية).
2- أقرأ فى المساء بعض الإصحاحات أو التفسيرات لتتكون لدى فكرة متعمقة شيئاً فشيئاً عن الكتاب المقدس (الطريقة الدراسية).
اقتراحات عملية :
* يمكن أن نرسل إلى كل من لديه تليفون محمول آية يومية، ستكون لها فاعليتها فى حياته، ويمكن أن يضاف إليه نوع من التذكرة بالإجتماع المناسب له.. "اجتماعنا غداً الساعة كذا"..
* ويمكن إرسال
E.mail لمن لديه كومبيوتر أو عنوان E.mail، فيه آية وتأمل فيها، أو أحد أقوال الآباء القديسين.
* يمكن عقد اجتماعات خاصة بدراسة الكتاب المقدس فى الكنيسة، وهى فكرة ناجحة وهامة وتغنى أولادنا عن حضور إجتماعات خارج الكنيسة.
* ويمكن عقد اجتماعات افتقاد منزلى، للأسرة، أو لمجموعة من الأسرات، فيها دراسة بسيطة لجزء من إصحاح.
* كما يمكن عقد مسابقات منزلية للأسرة كلها، لتجتمع حول كلمة الله، وكذلك لكل مرحلة: الأطفال - الفتيان - الشباب - الخدام.. إلخ.
إن كلمة الله نافعة للتعليم، وتستطيع أن تصل بأولاد الله إلى طريق الكمال والعمل الصالح..
فلنشبع بالكلمة المقدسة، لكى تشملنا جميعاً نعمة الرب.

أسئلة وأجوبة حول العقيدة الأرثوذكسية

أسئلة وأجوبة حول العقيدة الأرثوذكسية
    1-هل توجد آيات صريحة في الكتاب المقدس تذكر لاهوت المسيح؟ يسرنا إيراد بعض منها .
 2-لماذا كان السيد المسيح يلقب نفسه بابن الإنسان؟ هل في هذا عدم اعتراف منه بلاهوته؟ ولماذا لم يقل إنه ابن الله؟
 3-يسئ الأريوسيون فهم الآية التي قال فيها سيدنا يسوع المسيح "أبى أعظم منى" (يو28:14). كما لو أن الأب أعظم من الابن في الجوهر أو في الطبيعة!! فما تفسيرها الصحيح؟
4-نقول إن المسيح ابن الله. فهل هو أصغر منه، لأن الابن عادة يكون أصغر من الأب. وقد رأيت أيقونة في كاتدرائية بالخارج. فيها صورة الأب بلحية بيضاء، والابن بلحية سوداء.
 5-قال السيد المسيح "مجدني أنت أيها الأب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو5:17). وهنا يسأل الأريوسيون: هذا الذي يطلب من الأب أن يمجده، هل من المعقول أن يكون مساوياً للآب الذي يمجده؟
  
  1- هل توجد آيات صريحة في الكتاب المقدس تذكر لاهوت المسيح؟ يسرنا إيراد بعض منها .
 نعم، توجد آيات كثيرة، نذكر من بينها:     
قول بولس الرسول عن اليهود:      
".. ومنهم المسيح حسب الجسد، الكائن على الكل إلهاً مباركاً    
مقدمة إنجيل يوحنا واضحة جداً. إذ ورد فيها: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله" (يو1:1). وفى نفس الفصل ينسب إليه خلق كل شئ، فيقول "كل شئ به كان. وبغيره لم يكن شئ مما كان" (يو3:1).     
وعن لاهوت المسيح وتجسده يقول بولس الرسول في رسالته الأولى إلى تيموثاوس "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد" (1يو16:3).         
وعن هذا الفداء الذي قدمه المسيح كإله يقول بولس الرسول إلى أهل أفسس "احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أع28:20)    
وطبعاً ما كان ممكناً أن الله يقتنى الكنيسة بدمه، لولا أنه أخذ جسداً، سفك دمه على الصليب.  
ولقد اعترف القديس توما الرسول بلاهوت المسيح، لما وضع أصبعه على جروحه بعد قيامته، وقال له: "ربى وإلهي" (يو28:20).        
وقد قبل السيد المسيح من توما هذا الإيمان بلاهوته. وقال له موبخاً شكوكه: "لأنك رأيتني يا توما آمنت. طوبى للذين آمنوا ولم يروا".       
وحتى اسم السيد المسيح الذي بشر به الملاك، قال: "ويدعون اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا" (مت23:1). 
وكان هذا إتماماً لقول النبي أشعياء: "ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً، وتدعو اسمه عمانوئيل" (أش14:7)، لقد صار الله نفسه آية للناس بميلاده من العذراء.      
وما أكثر الآيات التي تنسب كل صفات الله للمسيح.

2- لماذا كان السيد المسيح يلقب نفسه بابن الإنسان؟ هل في هذا عدم اعتراف منه بلاهوته؟ ولماذا لم يقل إنه ابن الله؟
 السيد المسيح استخدم لقب ابن الإنسان. ولكن كان يقول أيضاً إنه ابن الله ... قال هذا عن نفسه في حديثه مع المولود أعمى، فآمن به وسجد له (يو9: 35-38). وكان يلقب نفسه أحياناً [الابن] بأسلوب يدل على لاهوته كقوله "لكي يكرم الجميع الابن، كما يكرمون الآب" (يو5: 21-23). وقوله أيضاً:
"ليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب. ولا من هو الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له" (لو22:10). وقوله أيضاً عن نفسه: "إن حرركم الابن فبالحقيقة أنتم أحرار" (يو36:8).
وقد قبل المسيح أن يدعى أبن الله، وجعل هذا أساساً للإيمان وطوب بطرس على هذا الاعتراف.
قبل هذا الاعتراف من نثنائيل (يو49:1)، ومن مرثا (يو27:11)، ومن الذين رأوه "ماشياً على الماء" (مت33:14). وطوب بطرس لما قال له "أنت هو المسيح ابن الله". وقال "طوياك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبى الذي في السموات" (مت16: 17،16).       
وفى الإنجيل شهادات كثيرة عن أن المسيح ابن الله.        
إنجيل مرقس يبدأ بعبارة "بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله" (مر1:1). وكانت هذه هي بشارة الملاك للعذراء بقوله "فلذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو35:1). بل هذه كانت شهادة الآب وقت العماد (مت17:3)، وعلى جبل التجلي (مر7:9)، (2بط1: 18،17). وقول الآب في قصة الكرامين الأردياء "أرسل أبنى الحبيب" (لو13:20). وقوله أيضاً "من مصر دعوت أبنى" (مت15:2). وكانت هذه هي كرازة بولس الرسول (أع20:9)، ويوحنا الرسول (1يو15:4)، وباقي الرسل.         
إذن لم يقتصر الأمر على لقب ابن الإنسان. بل إنه دعي ابن الله، والابن، والابن الوحيد. وقد شرحنا هذا بالتفصيل في السؤال عن الفرق بين بنوتنا لله، وبنوة المسيح لله. بقى أن نقول: استخدم المسيح لقب ابن الإنسان في مناسبات تدل عل لاهوته.     
1- فهو كابن الإنسان له سلطان أن يغفر الخطايا.وهذا واضح من حديثه مع الكتبة في قصة شفائه للمفلوج، إذ قال لهم: ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا، حينئذ قال للمفلوج قم أحمل سريرك وأذهب إلى بيتك (مت9: 2-6).     
2- وهو كابن الإنسان يوجد في السماء والأرض معاً. كما قال لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو13:3). فقد أوضح أنه موجود في السماء، في نفس الوقت الذي يكلم فيه نيقوديموس على الأرض. وهذا دليل على لاهوته.   
3- قال إن ابن الإنسان هو رب السبت.فلما لامه الفريسيون على أن تلاميذه قطفوا السنابل في يوم السبت لما جاءوا، قائلين له "هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله في السبوت "شرح لهم الأمر وقال "فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً" (مت8:12). ورب السبت هو الله.      
4- قال إن الملائكة يصعدون وينزلون على ابن الإنسان.   
لما تعجب نثنائيل من معرفة الرب للغيب في رؤيته تحت التينة وقال له "يا معلم أنت ابن الله" لم ينكر أنه ابن الله، إنما قال له "سوف ترى أعظم من هذا.. من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان" (يو1:48-51). إذن تعبير ابن الإنسان هنا، لا يعنى مجرد بشر عادى، بل له الكرامة الإلهية. 
5- وقال إن ابن الإنسان يجلس عن يمين القوة ويأتي على سحاب السماء. فلما حوكم وقال له رئيس الكهنة "أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟ أجابه "أنت قلت. وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء" (مت26: 63-65). وفهم رئيس الكهنة قوة الكلمة، فمزق ثيابه، وقال قد جدف. ما حاجتنا بعد إلى شهود!
ونفس الشهادة تقريباً صدرت عن القديس اسطفانوس إذ قال في وقت استشهاده "ها أنا أنظر السماء مفتوحة، وابن الإنسان قائم عن يمين الله" (أع56:7).      
6- وقال إنه كابن الإنسان سيدين العالم. والمعروف أن الله هو "ديان الأرض كلها" (تك25:18). وقد قال السيد المسيح عن مجيئه الثاني "إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه، مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" (مت27:16). ونلاحظ هنا في قوله "مع ملائكته، نسب الملائكة إليه وهم ملائكة الله.
ونلاحظ في عبارة (مجد أبيه) معنى لاهوتياً هو:    
7- قال إنه هو ابن الله له مجد أبيه، فيما هو ابن الإنسان. ابن الإنسان يأتي في مجد أبيه. فهو أبن الإنسان، وهو ابن الله في نفس الوقت. وله مجد أبيه، نفس المج.. ما أروع هذه العبارة تقال عنه كابن الإنسان. إذن هذا اللقب ليس إقلالاً للاهوته ...
8- وقال إنه كابن الإنسان يدين العالم، يخاطب بعبارة (يا رب). فقال: ومتى جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب .. فيقيم الخراف عن يمينه، والجداء عن يساره. فيقول للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملكوت المعد لكم .. فيجيبه الأبرار قائلين: يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك.." (مت25: 31-37).
عبارة (يا رب) تدل على لاهوته. وعبارة (أبى) تدل على أنه ابن الله فيما هو ابن الإنسان.
فيقول "أسهروا لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم" (مت42:24). فمن هو ربنا هذا؟ يقول "أسهروا إذن لأنكم لا تعلمون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان" (مت13:25). فيستخدم تعبير (ربكم) و(ابن الإنسان) بمعنى واحد.        
9- كابن الإنسان يدعو الملائكة ملائكته، والمختارين مختاريه، والملكوت ملكوته. قال عن علامات نهاية الأزمنة : "حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء.. ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظم الصوت، فيجمعون مختاريه.." (مت24: 29-31).
ويقول أيضاً "هكذا يكون في انقضاء هذا العالم: يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار" (مت13: 40-41).  
وواضح طبعاً إن الملائكة ملائكة الله (يو51:1)، والملكوت ملكوت الله (مر1:9)، والمختارين هم مختارو الله.                  
10- ويقول عن الإيمان به كابن الإنسان، نفس العبارات التي قالها عن الإيمان به كابن الله الوحيد.
قال "وكما رفع موسى الحية في البرية، ينبغي أن يرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 14-16).   
هل ابن الإنسان العادي، يجب أن يؤمن الناس به، لتكون لهم الحياة الأبدية. أم هنا ما يقال عن ابن الإنسان هو ما يقال عن ابن الله الوحيد.      
11- نبوءة دانيال عنه كابن للإنسان تحمل معنى لاهوته. إذ قال عنه "وكنت أرى رؤيا الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان. أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً. لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول. وملكوته ما لن ينقرض" (دا13:7، 14). من هذا الذي تتعبد له كل الشعوب، والذي له سلطان أبدى وملكوته أبدى، سوى الله نفسه..؟!  
12- قال في سفر الرؤيا إنه الألف والياء، الأول والآخر ...         
قال يوحنا الرائي "وفى وسط المنائر السبع شبه ابن إنسان.. فوضع يده اليمنى على قائلاً لي: لا تخف أنا هو الأول والآخر، والحي وكنت ميتاً. وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين" (رؤ1: 13-18). وقال في آخر الرؤيا "ها أنا آتى سريعاً وأجرتي معي، لأجازى كل واحد كما يكون عمله. أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر" (رؤ22: 13،12). وكل هذه من ألقاب الله نفسه (أش12:48، أش6:44).
مادامت كل هذه الآيات تدل على لاهوته .. إذن لماذا كان يدعو نفسه ابن الإنسان، ويركز على هذه الصفة؟     
دعا نفسه ابن الإنسان لأنه سينوب عن الإنسان في الفداء. إنه لهذا الغرض قد جاء، يخلص العالم بأن يحمل خطايا البشرية، وقد أوضح غرضه هذا بقوله "لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك" (مت11:18).       
حكم الموت صدر ضد الإنسان، فيجب أن يموت الإنسان. وقد جاء المسيح ليموت بصفته ابناً لهذا الإنسان بالذات المحكوم عليه بالموت.        
لهذا نسب نفسه إلى الإنسان عموماً..        
إنه ابن الإنسان، أو ابن البشر. وبهذه الصفة ينبغي أن يتألم ويصلب ويموت ليفدينا. ولهذا قال "ابن إنسان سوف يسلم لأيدي الناس، فيقتلونه، وفى اليوم الثالث يقوم" (مت17: 24،23) (مت45:26).      
وأيضاً "ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً، ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم" (مر31:8).  
حقاً، إن رسالته كابن الإنسان كانت هي هذه.        
ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك (مت11:18).

 3- يسئ الأريوسيون فهم الآية التي قال فيها سيدنا يسوع المسيح "أبى أعظم منى" (يو28:14). كما لو أن الأب أعظم من الابن في الجوهر أو في الطبيعة!! فما تفسيرها الصحيح؟
 هذه الآية لا تدل على أن الآب أعظم من الابن، لأنهما واحد في الجوهر و الطبيعة واللاهوت.
وأحب أن أبين هنا خطورة استخدام الآية الواحدة. 
فالذي يريد أن يستخرج عقيدة من الإنجيل، يجب أن يفهمه ككل، ولا يأخذ أية واحدة مستقلة عن باقي الكتب، ليستنتج منها مفهوماً خاصاً يتعارض مع روح الإنجيل كله، ويتناقض مع باقي الإنجيل.
ويكفى هنا أن نسجل ما قاله السيد المسيح:
"أنا والأب واحد" (يو30:10).    
واحد في اللاهوت، وفى الطبيعة وفى الجوهر. وهذا ما فهمه اليهود من قوله هذا، لأنهم لما سمعوه "امسكوا حجارة ليرجموه" (يو31:10). وقد كرر السيد المسيح نفس المعنى مرتين في مناجاته مع الآب، إذ قال له عن التلاميذ "أيها الآب أحفظهم في اسمك الذين أعطيتني، ليكونوا واحداً كما أننا واحد" (يو11:17). وكرر هذه العبارة أيضاً "ليكونوا واحداً"، كما أننا لاهوت وتحد وطبيعة واحدة.
وما أكثر العبارات التي قالها عن وحدته مع الآب. 
مثل قوله "من رآني فقد رأى الأب" (يو9:14).   
وقوله للأب "كل ما هو لي، فهو لك. وكل ما هو لك، فهو لي "(يو10:17). وقوله عن هذا لتلاميذه" كل ما للآب، هو لي" (يو15:16). إذن فهو ليس أقل من الآب في شئ، مادام كل ما للآب هو له ... 
وأيضاً قوله "إني أنا في الآب، والأب في"(يو11:14) (يو10: 38،37)،  وقوله للأب "أنت أيها الآب في، وأنا فيك" (يو21:17).. وماذا يعنى أن الآب فيه؟ يفسر هذا قول الكتاب عن المسيح أن "فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً" (كو9:2).   
إذن ما معنى عبارة "أبى أعظم منى"؟ وفى أية مناسبة قد قيلت؟ وما دلالة ذلك؟
قال "أبى أعظم منى "في حالة إخلائه لذاته. كما ورد في الكتاب "لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى ذاته، آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس.." (فى2: 7،6).  
أي أن كونه معادلاً أو مساوياً للآب، لم يكن أمراً يحسب خلسة، أي يأخذ شيئاً ليس له. بل وهو مساو للآب، أخلى ذاته من هذا المجد، في تجسده، حينما أخذ صورة العبد. وفى إتحاده بالطبيعة البشرية، صار في شبه الناس ...         
فهو على الأرض في صورة تبدو غير ممجدة، وغير عظمة الآب الممجد. 
على الأرض تعرض لانتقادات الناس وشتائمهم واتهاماتهم. ولم يكن له موضع يسند فيه رأسه (لو58:9). وقيل عنه في سفر أشعياء إنه كان "رجل أوجاع ومختبر الحزن" "محتقر ومخذول من الناس" "لا صورة له ولا جمال، ولا منظر فنشتهيه" (أش53: 3،2). وقيل عنه في آلامه إنه "ظلم، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه" (اش7:53). هذه هي الحالة التي قال عنها "أبى أعظم منى".
لأنه أخذ طبيعتنا التي يمكن أن تتعب وتتألم وتموت.        
ولكنه أخذها بإرادته لأجل فدائنا، أخذ هذه الطبيعة البشرية التي حجب فيها مجد لاهوته على الناس، لكي يتمكن من القيام بعمل الفداء .. على أن احتجاب اللاهوت بالطبيعة البشرية، كان عملاً مؤقتاً انتهى بصعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب.. ولذلك قبل أن يقول "أبى أعظم منى" قال مباشرة لتلاميذه:   
"لو كنتم تحبونني، لكنتم تفرحون لأني قلت أمضى إلى الآب، لن أبى أعظم منى" (يو28:14).
أي أنكم حزانى الآن لأني سأصلب وأموت. ولكنني بهذا الأسلوب: من جهة سأفدى العالم وأخلصه. ومن جهة أخرى، سأترك إخلائي لذاتي، وأعود للمجد الذي أخليت منه نفسي. فلو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون إني ماض للآب.. لأن أبى أعظم منى.   
أي لأن حالة أبى في مجده، أعظم من حالتي في تجسدي.  
إذن هذه العظمة تختص بالمقارنة بين حالة التجسد وحالة ما قبل التجسد. ولا علاقة لها مطلقاً بالجوهر والطبيعة واللاهوت، الأمور التي قال عنها "أنا والأب واحد" (يو3:10). فلو كنتم تحبونني، لكنتم تفرحون أنى راجع إلى تلك العظمة وذلك المجد الذي كان لي عند الآب قبل كون العالم (يو5:17).       
لذلك قيل عنه في صعوده وجلوسه عن يمين الآب إنه "بعد ما صنع بنفسه تطهيراً عن خطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب3:1).    
وقيل عن مجيئه الثاني أنه سيأتي بذلك المجد الذي كان له.         
قال إنه "سوف يأتي في مجد أبيه، مع ملائكته. وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" (مت27:16). ومادام سيأتي في مجد أبيه، إذن ليس هو أقل من الآب ... 
وقال أيضاً إنه سيأتي "بمجده ومجد الآب" (لو26:9).   
ويمكن أن تؤخذ عبارة "أبى أعظم منى" عن مجرد كرامة الأبوة.
مع كونهما طبيعة واحدة ولاهوت واحد. فأي ابن يمكن أن يعطى كرامة لأبيه ويقول "أبى أعظم منى" مع أنه من نفس طبيعته وجوهره. نفس الطبيعة البشرية، وربما نفس الشكل، ونفس فصيلة الدم.. نفس الطبيعة البشرية، وربما نفس الشكل، ونفس فصيلة الدم.. نفس الطبيعة البشرية، ونفس الجنس واللون. ومع أنه مساو لأبيه في الطبيعة، إلا أنه يقول إكراماً للأبوة أبى أعظم منى.
أي أعظم من جهة الأبوة، وليس من جهة الطبيعة أو الجوهر.     
أنا- في البنوة- في حالة من يطيع.   
وهو- في الأبوة- في حالة من يشاء.
وفى بنوتي أطعت حتى الموت موت الصليب (فى8:2).

  4- نقول إن المسيح ابن الله. فهل هو أصغر منه، لأن الابن عادة يكون أصغر من الآب. وقد رأيت أيقونة في كاتدرائية بالخارج. فيها صورة الآب بلحية بيضاء، والابن بلحية سوداء.
 أولاً: الأيقونة التي رأيتها في الخارج، فيها أكثر من خطأ:
أ‌- الخطأ الأول هو تصوير الآب. بينما الإنجيل يقول "الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر" (يو18:1).    
ولذلك لما أراد الأب أن نراه، رأيناه في ابنه الظاهر في الجسد (1تى16:3). وهكذا قال السيد المسيح "من رآني فقد رأى الأب" (يو9:14). 
ب- الخطأ الثاني هو تصوير الأب بلحية بيضاء، والابن بلحية سوداء، مما يوحى بأن الأب أكبر من الابن سناً. وهذا خطأ لاهوتي، لأنهما متساويان في الأزلية. ولم يحدث في وقت من الأوقات أن الأب كان بغير الابن. فالابن اللوجوس
Logos هو عقل الله الناطق، أو نطق الله العاقل (الكلمة). وعقل الله كان في الله منذ الأزل، بلا فارق زمني. ولهذا فإنني عندما رأيت هذه الصورة في مشاهدتي لكنائس الفاتيكان سنة 1973- قلت للكاردينال الذي يرافقني "هذه الصورة أريوسية. ربما الفنان الذي رسمها كانت له موهبة فنية كبيرة. ولكن بغير دراسة لاهوتية سليمة" ...   
ثانياً: الابن يكون أصغر من الأب في الولادة الجسدانية، ولكن ليس في الفهم اللاهوتي. وممكن أن توجد ولادة طبيعية بغير فارق زمني.     
فمثلاً الحرارة تولد من النار، بدون فارق زمني. لأنه لا يمكن أن توجد نار بدون حرارة تتولد منها. إنها ولادة طبيعية، لا نقول فيها إن المولود أقل عمراً أو زمناً.
مثال آخر هو ولادة الشعاع من الشمس، بلا فارق زمني على الإطلاق.    
هذه هي خصائص الولادة الطبيعية، وهى غير الولادة الجسدية الزمنية.  
إنها كولادة النبض من القلب، وولادة الفكر من العقل، والقياس مع الفارق
...

 5- قال السيد المسيح "مجدني أنت أيها الأب عند ذاتك، بالمجد الزى كان لي عندك قبل كون العالم" (يو5:17). وهنا يسأل الأريوسيون: هذا الذي يطلب من الأب أن يمجده، هل من المعقول أن يكون مساوياً للآب الذي يمجده؟
 1- هذه العبارة ذاتها تثبت لاهوت المسيح. فهو يقول "المجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم". إذن فهو موجود قبل كون العالم، وموجود في مجد. ذلك لأن العالم به كان، بل كل شئ به كان (يو1: 3،10).
أما هذا المجد الذي كان له عند الأب، فهو أنه "بهاء مجده، ورسم جوهره" (عب3:1). ولاشك أن هذا يعنى المساواة ...   
2- إن كان الأب يمجد الابن، يمجد الأب أيضاً. فهو قبل عبارة "مجدني" يقول "أنا مجدتك على الأرض" (يو4:17) إذن هو تمجيد متبادل بين الأب والابن. لذلك هو يقول في بدء هذه المناجاة "أيها الأب قد أتت الساعة. مجد ابنك، ليمجدك ابنك أيضاً" (يو1:17).
3- وهنا نسأل ما معنى التمجيد، إذا ذكر عن الأب أو عن الابن؟! بل ما معنى أن البشر أنفسهم يمجدون الله؟ كما يقول الرسول "مجدوا الله في أجسادكم وفى أرواحكم التي هي لله" (1كو20:6). أو كما يقول الرب في العظة على الجبل ".. ليروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت16:5).         
4- تمجيد الله لا يعنى إعطاءه مجداً ليس له!! حاشا. إنما معناه الاعتراف بمجده أو إظهار مجده.
فعبارة "أنا مجدتك على الأرض" معناها: أظهرت مجدك، أعلنته، جعلتهم يعترفون بمجدك. عرفتهم اسمك. أعطيتهم كلامك" (يو17).       
تماماً مثل عبارة "باركوا الرب" أي اعترفوا ببركته، أو أعلنوا بركته. وهكذا قول السيد المسيح "أيها الأب مجد اسمك" (يو28:12)، أي أظهر مجده، أعلنه. وبنفس الوضع إجابة الأب "مجدت، وأمجد أيضاً"، أي أظهرت ذلك. كذلك عبارة "مجدني" لا تعطني مجداً جديداً، فهو مجد كان لي عندك قبل كون العالم. فما معناها؟
5- تعنى أظهر هذا المجد الذي احتجب بإخلاء الذات (فى7:2).   
حينما أخذت شكل العبد، وصرت في الهيئة كإنسان "لا صورة له ولا جمال. محتقر ومخذول من الناس" (أش53: 3،2).
إذن يتمجد يعنى يسترد المجد الذي أخلى ذاته منه، الذي حجبه بتجسده. اسمح الآن- بعد الصليب، وفى الصعود- أن فترة الإخلاء تنتهي لأن "العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يو4:17).         
6- اسمح أن الناسوت يشترك مع اللاهوت في المجد. وهكذا يشير الرسول إلى "جسد مجده" (فى21:3) ... هذا الجسد الممجد الذي صعد به إلى السماء ليجلس عن يمين الأب.  
7- مجده، يشير أيضاً إلى صلبه. الذي اتحد فيه مجد الحب الباذل، ومجد العدل المتحد بالرحمة. مجده حينما ملك على خشبة (مز95)، واشترانا بثمن. وهكذا نرتل له يوم الجمعة العظيمة قائلين "لك القوة والمجد.. عرشك يا الله إلى دهر الدهور" (مز6:45) (عب8:1).  
لهذا لما خرج يهوذا ليسلمه قال "الآن تمجد ابن الإنسان، وتمجد الله فيه" (يو31:12). أي بدأ مجده كمخلص وفاد ومحب.. وقال بعدها "فإن كان الله قد تمجد فيه، فإن الله سيمجده في ذاته، ويمجده سريعاً".       
8- نلاحظ ذلك أيضاً في علاقة الابن بالروح القدس:         
قال عن الروح القدس "ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو14:16). يمجدني هنا، لا تعنى أن الروح القدس أكبر من الابن فيعطيه مجداً، لأن الابن يقول عنه "يأخذ مما لي". ولا تعنى أن الابن أعظم، فهما أقنومان متساويان. إنما تعنى يظهر مجده للناس.    
9- وظهر ذلك أيضاً من جهة استجابة الأب للصلاة عن طريق الابن. إذ قال الرب لتلاميذه "ومهما سألتم باسمي فذاك أفعله. ليتمجد الأب بالابن" (يو13:14). يتمجد الأب تعنى يظهر مجده في استجابته. وعبارة بالابن، لأن الصلاة باسمه، أي عن طريقه ...    
10- إن الله لا يزيد ولا ينقص سواء من جهة المجد أو غيره. لا يزيد، لأنه لا يوجد أزيد مما هو فيه. لا يأخذ مجداً أزيد، لن طبيعته لا حدود لها. ولا ينقص، لأن هذا ضد كمال لاهوته ...     
فعبارة مجدني لا تعنى أعطني مجداً ليس لي، إنما أظهر مجدي الأزلي وبالمثل عبارة "مجدتك"، وكل تمجيد متبادل بين الأقانيم.


سمات التفسير الارثوذكسى للكتاب المقدس

سمات التفسير الارثوذكسى للكتاب المقدس

a
الكتاب المقدس هو عماد الحياة

عماد الحياة العقيدية واللاهوتية، وعماد الحياة الروحية أيضاً، ولا ننسى ما ورد فى المزمور: "الرجل الصالح فى ناموس الرب مسرته وفى ناموسه يلهج نهاراً وليلاً" (مز 2:1). وهذه العبادة فى المزمور الأول هى نفس ما قاله الرب ليشوع بن نون: "لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج به نهاراً وليلاً" (يش 8:1)، على الرغم من أن يشوع كان قائد جيش وكانت مشغولياته كثيرة. وهذا الأمر أيضاً نجده فى الإصحاح السادس من سفر التثنية. فى تثنية (5) وردت الوصايا العشر كما وردت فى سفر الخروج (20) وبعد ما ربنا قال الوصايا العشر فى تثنية (5)؛ قال فى إصحاح (6): "لتكن هذه الكلمات التى أنا أوصيك بها اليوم على قلبك وقصها على أولادك وتكلم بها حين تجلس فى بيتك وحين تنام وحين تقوم" (تث 6:6،7).
الكتاب المقدس مفيد لنا جميعاً لا نستغنى عنه، مهما وصلنا من العلم والمعرفة..

وهو مجال للتأمل الروحى، كما يقول المرتل فى المزمور الكبير: "لكل كمال رأيت حداً أما وصيتك فواسعة جداً" (مز 96:119) كما يقول أيضاً: "لو لم تكن شريعتك هى تلاوتى، لهلكت حينئذ فى مذلتى" (مز 92:119). الكتاب إذن نافع للحياة الروحية ولمعرفة طريق الرب، ونافع للتأمل. ونافع أيضاً للتعليم، وفى الدفاع عن العقيدة، ونافع أيضاً للرد على الحروب الروحية التى تحارب الإنسان، وكما قال القديس مارأوغريس فى إحدى ميامره: (إنك ترد كل خطية بإحدى الوصايا). أى أنك عندما تحارب بأى خطية يمكنك أن تردعها بوصية من وصايا ربنا.

فمثلاً إذا حوربت بالغضب تذكر قول الكتاب: "ليكن كل إنسان مسرعاً إلى الاستماع، مبطئاً فى التكلم، مبطئاً فى الغضب لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله" (يع 20:1).

إذا حوربت بأخطاء فى الكلام، تذكر قول الكتاب: "كثرة الكلام لا تخلو من معصية" (أم 19:10). وإذا حوربت بالكبرياء تذكر الآية التى تقول: "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 18:16). وإذا حوربت بالبر الذاتى تذكر ما قيل عن أيوب الصديق وأصحابه الثلاثة فى سفر أيوب: "فكف هؤلاء الرجال الثلاثة عن مجاوبة أيوب لكونه باراً فى عين نفسه، حينئذ حمى غضب اليهوبن برخئيل البوزى من عشيرة رام، على أيوب حمى غضبه لأنه حسب نفسه أبر من الله وعلى أصحابه الثلاثة حمى غضبه، لأنهم لم يجدوا جواباُ واستذنبوا أيوب. حينئذ قال لهم أليهو: أنا فتى وأنتم شيوخ لذلك خفت وخشيت أن أتكلم، وقلت كثرة الأيام تظهر حكمة" (أى 1:32-7) والآية الأخيرة تظهر لنا الأدب فى الكلام مع كبار السن.

قلنا الكتاب المقدس نافع لتعريف الإنسان بطريق ربنا، وهو يقوده فى الحياة الروحية. لذلك بيقول: "سراج لرجلى كلامك ونور لسبيلى" (مز 105:119).

هو أيضاً مجال للرد على كل خطية يحارب بها الإنسان، وهو أيضاً مجال للدفاع عن العقيدة. وكما سمعتم ممن تحدثوا قبلى إنى قلت قبل ذلك خطورة استخدام الآية الواحدة.

الكتاب المقدس ليس هو مجرد آية ولكنه كتاب، بهذه المناسبة أحب أن أذكر أن السبتيين والأدفنتست لهم كتاب من تأليفهم اسمه "الكتاب يتكلم" يذكرون أى سؤال والإجابة بآية واحدة، بينما هناك آيات أخرى توضح المفهوم الكتابى. فاحترسوا أيضاً من هذا الكتاب مع إن اسمه "الكتاب يتكلم" لكنه يتكلم بطريقة خاطئة بآية واحدة، مثال هذا ما ورد فى قصة سجان فليبى "آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك" (أع 31:16) ويتخذها البروتستانت أن الإيمان كافى للخلاص. وأيضاً "فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس" (أع 38:2)، "من آمن وأعتمد خلص" (مر 16:16).

قالها بطرس الرسول لليهود بعد أن نخسوا فى قلوبهم وآمنوا. إذن يلزم التوبة ويلزم المعمودية. وربما أحدثكم بعض الحين عن مفهوم المعمودية فى نظر هؤلاء الناس، ونحن لا نستخدم الآية الواحدة. فمثلاً فى رسالة يوحنا الأولى "إن علمتم إنه بار هو، فاعلموا أن كل من يفعل البر مولود منه" (1يو 29:2).

ونحن مع إهتمامنا بالأعمال إهتماماً كبيراً، لا نقول إطلاقاً أن من يفعل البر يأخذ الميلاد الثانى بدون المعمودية. إنما هذه الآية قيلت فى مجال والمعمودية فى مجال آخر، يجتمع المجالان معاً لكى يكون تعليماً واحداً. أو مثلاً هذه الآية "الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هى هذه: افتقاد اليتامى والأرامل فى ضيقتهم، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم" (يع 27:1).

فلا يمكن أن نستخدم هذه الآية ونقول: أن افتقاد اليتامى والأرامل والحياة النقية هى كافية للخلاص بدون الإيمان وبدون المعمودية، نضع هذه إلى جوار تلك. كذلك نقرأ فى (مت 31:25)، كيف أن السيد الرب يأتى للدينونة ويجلس على كرسى مجده، وتجتمع أمامه جميع الشعوب، فيفرزهم البعض عن يمينه والبعض عن يساره، فيقول للذين عن يمينه: "تعالوا إلىّ

يا مباركى أبى رثوا الملك المعُد لكم قبل إنشاء العالم، لأنى كنت جوعاناً فأطعمتمونى، عطشاناً فسقيتمونى، مريضاً فزرتمونى... إلخ" (مت 34:25-36) إلى آخر هذا الكلام، فلا يمكن أن نقول أن مجرد الإهتمام بالمحتاجين بأكلهم وشربهم وزيارتهم كافى للخلاص، وللوقوف عن يمين الله. أيضاً لابد من الإيمان، لابد من المعمودية، لابد من التوبة.

فكما أننا لا نستخدم أسلوب الآية الواحدة؛ لا نحب أنهم يستخدمون الآية الواحدة.

التفسير المنحرف :

† فكثير من الناس يفسرون بعض الآيات تفسيراً منحرفاً، لكى يطبق ويوافق عقائدهم، لا أذكر هذا فقط عن شهود يهوه والسبتيين طبعاً. كلمة آلهة هنا ليس المقصود بها آلهة من النوع اللى بيخلق، أو إله موجود فى كل مكان، مثل ما قيل: فى أول مزمور 82: "الله قائم فى مجمع الآلهة فى وسط الآلهة يقضى" (مز 1:82) وطبعاً هؤلاء ليسوا آلهة بالحقيقة.

وطبعاً نفس هذه الآية (مز 6:82،7)، بعدها على طول "أنا قلت: إنكم آلهة وبنو العلى كلكم لكن مثل الناس تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون" والذين يموتون ويسقطون ليسوا آلهة بالحقيقة، لكن كلمة آلهة هنا بمعنى أرباب، أو سادة، حاجة من هذا النوع، كما أن الكتاب استخدم كلمة آلهة حتى بالنسبة للآلهة الوثنيين.. "لأن كل آلهة الأمم أصنام" (1أخ 26:16). واستخدام كلمة إله أحياناً بمعنى سيد، كما قال ربنا لموسى: "جعلتك إلهاً لفرعون" (خر 1:7) إله لفرعون ليس معناها إنه خالق لفرعون، أو مثل ما قال لموسى فى (خر 54) عندما اعتذر موسى عن الخدمة، فقال له: ارسل لك هارون يتكلم بالنيابة عنك، لأن موسى كان ثقيل الفم واللسان. "هو يكون لك فماً وأنت تكون له إلهاً" (خر 16:4) لا يقصد إله بمعنى خالق، وإنما بمعنى أنه يوحى إليه بالكلام. فأنت توحى إليه بالكلام وهو ينطق بهذا الكلام.

فى كل هذا أريد أن أنصحكم فى قراءة الكتاب المقدس.. أن تكونوا على دراية عميقة بمصطلحات الكتاب المقدس، ومعانى كلمات الكتاب المقدس، واستخدام هذه الكلمات فى مواضع متعددة.

مثلاً كلمة "كنيسة". ممكن تعنى المبنى الذى نعبد فيه الرب، اسمه كنيسة، وممكن كلمة كنيسة تؤخذ بمعنى جماعة المؤمنين، وممكن كلمة كنيسة تؤخذ بمعنى الكهنوت، أو بمعنى رئاسة الكهنوت. فربنا يقول: "وإن أخطأ إليك أخوك فإذهب وعاتبه، وإن سمع منك فقد ربحت أخاك، وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة" (مت 15:18،17) قل للكنيسة ليس معناها إنك تجمع جماعة المؤمنين كلهم وتقول لهم، ليس كذلك ولكن قل لرجال الكهنوت ولرئاسة الكنيسة. لذلك من الضرورى أن نعرف معانى المصطلحات المستخدمة فى الكتاب.

نقطة أخرى اريد أن انبه إليها وهى :

الترجمات الخطرة أو الترجمات المنحرفة للكتاب المقدس، أو الترجمات مع التعليقات الخاصة :

† من الترجمات الخطرة جداً للكتاب المقدس، ترجمة شهود يهوه للكتاب المقدس، اسمها
The New World Translation of the Scripture أى "ترجمة العالم الجديد للكتاب المقدس"!!
كلمات كثيرة جداً منحرفة تماماً لإثبات عقيدتهم. من أول سفر التكوين نجد هذه الآية "فى البدء خلق الله السموات والأرض وكانت الأرض خربة وخاوية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه" (تك 1:1-2) هم لا يؤمنون بكلمة روح الله، فيترجموها على أنها قوة إلهية ترف على وجه المياه. كذلك كلمة كنيسة، لا يترجموها كنيسة، يسمونها
Congregation أو Meeting أى ما يخص المؤمنين، لكن لا يستعملون كلمة كنيسة، ولو استعملوها يكون نادراً جداً.
ولهذا أحب أن أقول لكم، إنه إذا دخل بعضاً منكم مع شهود يهوه فى أى حوار،

لا تعتمدوا ترجمتهم للكتاب المقدس أثناء هذا الحوار، مهما قالوا عنه أنه كتاب الله لكنه هو كتاب منحرف فى ترجمته، فى كثير من ألفاظه ومعانيه، لو حدث ذلك تمسك بالرجوع إلى الترجمة الخاصة بنا، ورفض ترجمتهم فهى الترجمة الخطرة.

† هناك ترجمات للأخوة البروتستانت : مثل الترجمة البيروتية. مثلاً كلمة "قس" يقولوها: "شيخ" وكلمة "شيخ" يقولوها: "قس" أحياناً. كيف "قس" يقولوها "شيخ"؟!.. بقصد محاربة الكهنوت، لكن يوجد فصل فى الكتاب المقدس نقرأه كثيراً، عندما يكون تذكار بعض الأباء الأساقفة أو المطارنة أو البطاركة. أوله "من ميلتس أرسل إلى أفسس واستدعوا قسوس الكنيسة" (أع 17:20). وليس القصد هنا أن يقولوا: "قسوس الكنيسة" ولكن لكى يقولوا: "ومن ميلتس أرسل إلى أفسس واستدعوا قسوس الكنيسة" (أع 17:20) وأثناء الكلام يقول لهم: "احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التى أقامكم الروح القدس فيها أساقفة" (أع 28:20) لكى يقولوا أن الأسقف والقسيس شئ واحد!

وهنا يكون استخدام كلمة "قسوس" استخداماً مغرضاً، لكى يبين عقيدة معينة عندهم ولكن لذلك أحب أنكم عندما تقرأون هذا الفصل، لا تفتكروا إنه دفاع عن الإيمان إنكم تستبدلوا كلمة شيوخ بكلمة قس، هنا كلمة شيوخ يعنى شيوخ، لأن شيوخ ممكن تبقى أساقفة، ممكن بطاركة ورسل يبقوا شيوخ، كما قال بطرس الرسول: "اكتب إليكم أنا الشيخ..".

ترجمات منحرفة معينة معروفة مثل استبدال عبارة "العذراء الممتلئة نعمة" بقولهم: "المنعم عليها". وأشياء أخرى كثيرة من هذا النوع، لكن أصبحت محصورة ومعروفة عندنا، بحيث نستطيع أن ننتبه إليها.

† الترجمة الكاثوليكية : ولو أنها لا تصلح فى كثير من الأخطاء البروتستانتية، ولكن فى نفس الوقت لها نفس الخطورة، لأنها تكتب تعليقات، مثال لها: ما ورد فى

(1كو 3) "لكنه يخلص كما بنار" فيأخذوا "كما بنار" إثبات للمطهر، تعليقات؟!!.

نحن لا نريد أن تكتب تحت كلام ربنا تعليقات فى الكتاب المقدس، يكفينا فقط كلام الكتاب المقدس. هذا خلط فى كلام الله برأيك الخاص. وهذا مالا نقبله.

† نقطة أخرى أقولها لكم فى الإحتراس، احترس مما يسمى :

Biblical Criticism
أى النقد الكتابى.
Biblical Criticism
هذه ينطبق عليها قول الكتاب: "إنها طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء" (أم 26:7) ياما أناس كانوا من الخدام الكبار وقرأوا كتباً أجنبية من كتب
الـ
Biblical Criticism فضلوا ضلالاً بعيداً، ولا أريد أن أذكر أمثلة، لكن كثير من الذين يستخدمون التفسيرات الأجنبية وخصوصاً من الـ Biblical Criticism، حتى
أن كاتباً كبيراً فيما نشر تفسيراً لإنجيل مارمرقس، واكتفى فى الإصحاح الأخير إلى (مر 1:16-8) أى أنه ترك (مر 9:16-20) تركها.

ويقول إنه بيريح ضميره!! ويقول أن هذا الجزء غير موجود ولم يكتبها مارمرقس وكتبها أحد تلاميذ مارمرقس... حاجة صعبة!!

ونفس هذا الكاتب أنتقد إنجيل معلمنا متى، عندما قال أن السيد المسيح عندما دخل أورشليم. دخل على آتان وجحش بن آتان، وقال: هذا مستحيل. هو على آتان فقط!!.

كيف ذلك وهى موجودة فى الكتاب المقدس، فيرد ويقول: (لأ) أن متى: "أخذ عن كذا وكذا وكذا" ومتى كان شاهد عيان!

وهل كان (الكاتب) موجود مع السيد المسيح فى هذه الرحلة؟

ثم ينتقد أيضاً باقى الأناجيل، ويقول: "مش ممكن هناك جحش، لأن مش ممكن ركوبه إلا بعد أن يتمرن تمرين مظبوط، ومكتوب فى إنجيل مارمرقس أن جحشاً لم يركبه أحداً قط، فيكون ذلك مستحيل لأنه مادام لم يركبه أحد، أى لم يتمرن، يبقى ها يزرجن مع السيد المسيح ويوقعه فى السكة ولا آيه الحكاية؟!!.

السيد المسيح الذى تخضع له الملائكة ورؤساء الملائكة، وتخضع له الرياح والطبيعة، لا يخضع له الجحش، فى عُرف هذا الكاتب، الذى ينفى هذا ويخطئ الإنجيل. لأن معروف أن الجحش يجب أن يتدرب!!

هى
Biblical Criticism اللى بتضيع كثير من الناس، ويأخذوها كما هى، وللأسف يعلموها للناس أيضاً!
ثانياً: أهمية دراسة الكتاب المقدس

- ادرسوا شواهد الآيات، وكل عقيدة من العقائد احفظوا الآيات التى تدل عليها، وعلّموها لأولادكم، وحفظوها لهم.
كانت مناجهنا فيما سبق تتحدث عن الروحيات كثيراً، وفى وقت آخر كنا نتحدث عن العقيدة فكانت حيلة بروتستانتية تطلب العظة الروحية بدلاً من العقيدة، وإذ هم يهتمون بالعقيدة ويحفظونها لأولادهم وبالآيات والشواهد، وهذا يذكرنى بأننى سنة 67 كنت فى زيارة لشبين الكوم وكان هناك خادم قد إنحرف إلى التعليم الخاطئ، واكتشفناه وحذرنا منه الناس، العجيب إنى جلست مع أحد أولاده، فتى صغير 12 سنة، وجدته يحفظ كماً هائلاً من الآيات.

لذلك أن تهتموا إلى جوار التعليم الروحى من الكتاب المقدس، أن تعدوا أولادكم لحفظ آيات فى العقيدة، وتعطوهم التعليم الكتابى للعقيدة... مثل :

† موضوع لاهوت المسيح الذى ينكره شهود يهوه، كما ينكرون الثالوث القدوس. لأنه قال للص اليمين: "اليوم تكون معى فى الفردوس" (لو 43:23).

† وهو قائم عن يمين الله كما ورد فى مواضع كثيرة فى إنجيل مارمرقس، وفى الرسالة إلى العبرانيين إلى آخره.

† وهو أيضاً موجود مع المصلين "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمى فهناك أكون فى وسطهم" (مت 20:18) ليس فقط وسط الأبرار القديسين.. بل هو موجود عند الخطاة أيضاً.. يقول: "هاأنذا واقف على الباب واقرع، إن سمع أحد صوتى وفتح الباب ادخل اليه واتعشى معه وهو معى" (رؤ 20:3) إذن هو موجود فى كل مكان. وهذا دليل على لاهوته. وهكذا تعطوا أولادكم الآيات وشواهدها.

† أو مثلاً آيات تثبت أن السيد المسيح هو خالق. وخالق كل شئ.

† كما ورد فى (يو 3:1) "كل شئ به كان وبغيره لم يكن شيئاً مما كان". وفى (عب 1) "وبه خلق العالمين". وخالق أيضاً فى قصة مباركة الخمس خبزات والسمكتين، حيث جمعوا 12 قفة مملوءة.. بالإضافة إلى الكم الكبير الذى أكلوه حتى الشبع.

† وهو أيضاً خالق فى مسألة تحويل الماء إلى خمر، لأن الماء عبارة عن أكسجين وهيدروجين، والخمر فيه مركبات أخرى، وهذه المركبات الأخرى خلقها بمجرد إرادته، قال لهم: "املأوا الأجران ماء... إسقوا الناس" (يو 7:2) حتى لم يعمل أى عملية معينة، ولا رشمها ولا قال عليها كلمة بركة، فقط قال: أملؤها ماء، وزعوها.

† خالق فى معجزة منح البصر للمولود أعمى (لو 41:18،42).

† هو أيضاً الديان كما ورد فى (مت 25) إقامة الناس عن يمينه وعن شماله.

† وهو أيضاً فاحص القلوب والكلى. كما قال لملاك كنيسة ثياتيرا فى سفر الرؤيا "ويعرف الجميع أننى فاحص القلوب والكلى، ويعطى كل واحد حسب أعماله" (رؤ 2).

† وهو أيضاً إله من حيث أن له سلطان على الطبيعة وعلى الملائكة، وعلى كل أحد. على الملائكة يقول: "ولتسجد له كل ملائكة الله" (عب 6:1)، "وصارت الملائكة تخدمه" (مر 13:1)، "فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السماوات إلى أقصائها" (مت 31:24) ملائكته هو.

وهو الذى يرسل :

† وسلطانه على الموت وعلى الحياة، وسلطانه على الشريعة، ويقول: أنه هو رب السبت أيضاً، وسلطانه على الطبيعة فى انتهاره الريح والبحر: "ابكم وأسكت"، والأشجار "فنظر شجرة تين على الطريق وجاء إليها فلم يجد فيها شيئاً إلا ورقاُ فقط فقال لها لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد فيبست التينة فى الحال" (مت 19:21).

إذن عندما نتحدث عن لاهوت السيد المسيح، يجب أن نعطى أدلة وآيات وبراهين من الكتاب المقدس، لأن الكلام النظرى ممكن آخر يجادل فيه، لكن الآيات الكتابية لا يستطيع أن ينكرها، وهنا يعطى للجدل اللاهوتى قوته.

† الزواج والطلاق مثلاً: توجد خلافات بيننا وبين الكاثوليك فى الزواج والطلاق، هم يقولون: "لا طلاق على الإطلاق" ويسمحون بزواج غير المؤمن بمؤمنة.. وفى الكنيسة! وممكن المبالغة الكثيرة فى أسباب بطلان الزواج، لذلك بخصوص الزواج تمسك بالآيات التى تقول: أنه لا طلاق إلا لعلة الزنى. فى (مت 32:5)، (مت 19:19)، (مر 11:10)، (لو 18:16). كلها تسمح بالطلاق فى حالة علة الزنى. ويوجد طلاق أيضاً لتغيير الدين كما ورد فى (1كو 15:7) "ليس الأخ أو الأخت مستعبداً فى مثل هذه الحالة، إن أراد أن يفارق فليفارق".

† نختلف مع الكاثوليك مثلاً فى إنبثاق الروح القدس، تقول لهم: موجود "روح الحق الذى من عند الآب ينبثق" (يو 26:15)، لم يقل الآب والابن.

† تأسيس كنيسة روما.. من الذى أسسها؟ بطرس أم بولس؟

الكتاب المقدس كله يقول: الذى أسس كنيسة روما، فى (غل 2)، بولس الرسول، استؤمن على إنجيل الأمم أى الخاص بالأمم، وروما من الأمم. (غل 7:2)، بل أيضاً لم يرسل بولس الرسول رسالة إلى رومية ويقول أنا مشتاق أن أجئ وأعطيكم نعمة (أع 22) ربنا قال لبولس الرسول ها أنا مرسلك بعيداً إلى الأمم. وفى (أع 23) قال له: "كما شهدت لى فى أورشليم ينبغى أن تشهد لى فى رومية أيضاً". إذن هو ذهب إلى رومية بأمر إلهى، واستأجر بيت لمدة سنتين، وكان يقبل كل من يأتى إليه. ثم يقولون ربما بطرس كان معه! يقول بولس فى

(رو 20:15) "كنت محترصاً أن أبشر هكذا. ليس حيث سمى المسيح، لئلا ابنى على أساس لآخر" إذن عندما بنى أساس روما، لم يكن أحد وضع الأساس قبله، بل هو الذى بدأه. وعندما ذهب روما وجده لا يعرفون شيئاً حيث قالوا له: "لأنه معلوم عندنا من جهة هذا المذهب أنه يقاوم فى كل مكان" (أع 22:28). وأيضاً قال لهم: "حسناً تنبأ عنكم إشعياء.." (مت 7:15).

اتذكر عندما سافرت إلى الفاتيكان سنة 1973، كان الذى يرافقنى أثناء زيارة ومشاهدة الكنيسة الكبرى، كاتدرائية ماربطرس كاردينال اسمه (فيلى بروم) ثم ترقى إلى رئيس كنيسة هولندا. وجدت الكنيسة اسمها
Saint Peter قلت له :
I Know quiet well
that Saint Paul established the Church of Rome not Saint Peter, it was established by Saint Paul not by Saint Peter. قال لى: "by both" من أين تثبت ذلك "by both" هذه؟! لأنه عندما ذهب بولس هناك وجدهم لا يعرفون شئ أبداً، كما قالوا له: "لا نعرف عن هذا المذهب (المسيحى) إلا أنه يضطهد فى كل مكان" (أع 22:28).
ياريت كلمة مذهب قالوها
Sect كمثل بدعة. فهل يعقل أن بطرس الرسول العظيم الذى بعظة واحدة فى يوم الخمسين آمن 3000 شخص، هل يعقل أنه ذهب روما وأقام بها سنين ولا يوجد أحد يعرف منه شئ؟! وإن حدث ذلك بالفعل لكانت نقطة سلبية فى تاريخه نحن لا نقبلها! فالقديس بطرس أيضاً رسول عظيم ونحن نحبه.. ولكنه ليس كما قال أحدهم عنه أنه رئيس الرسل!... ولكن انظر ماذا قال السيد المسيح عن هذا الأمر (الرئاسة) السيد المسيح رفض مبدأ الرئاسة، وقال لهم: لا يكن فيكم هذا الفكر، "أنتم تعلمون أن الذين يحسبون رؤساء الأمم يسودونهم وأن عظماءهم يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم بل من أراد أن يصير فيكم عظيماً يكون لكم خادماً. ومن أراد أن يصير فيكم أولاً يكون للجميع عبداً" (مر 42:10-44).
يجب عندما يجادلك أحد أن تستخدم آيات الكتاب، وخصوصاً الآيات الواضحة التى لا تحتمل أكثر من معنى. ربما يقول أحد البروتستانت عن السجود والميطانيات للأساقفة والمطارنة، بينما الكتاب يقول: "لإلهك وحدك تسجد" الكتاب يفرق بين أمرين: بين سجود العبادة "لا تسجد لهن" وسجود الاحترام والتوقير، وهذا الأمر ليس فقط بآيات من الكتاب بل بتعليم إلهى. كيف ذلك؟

† فى مباركة يعقوب ربنا قال له: "كن سيداً لأخوتك، ليسجد لك بنو أمك" (تك 29:27) هل بمعنى العبادة؟! لا بل سجود احترام.

† ويوسف الصديق فى رؤيا إلهية وجد اخوته يسجدون له، وفعلاً تحقق هذا الأمر عندما ذهبوا يطلبوا قمح وسجدوا له.

† داود النبى إنه رجل لا يختلف أحد عليه أنه ملك ربنا، سجد له شمعى ابن جيرا، وسجد له مفيبوشث، وسجد له ناثان النبى، وسجدت له بتشبع زوجته عندما جاءت تطلب منه أن يخلفه سليمان.

† سليمان الحكيم عندما جاءت بتشبع تتوسط له من أجل أدونيا وكان جالساً على عرشه، قام من على عرشه وسجد لها، واحضر لها كرسى لأنها أم الملك. فهل كل هؤلاء لم يكن يعرفون ربنا، فسجود الإحترام شئ، وسجود العبادة شئ آخر، وهذا ما يقوله الكتاب المقدس.

† إيليا النبى وهو نبى عظيم واستحق أن يأخذه ربنا فى مركبة نارية للسماء، سجد له رئيس الخمسين الثالثة، وقبل منه هذا السجود. أما إذا كان أمر ضد الإيمان لا يمكن إنسان يقبلها. ولذلك هيرودس الملك عندما صرخ الشعب وقال: "هذا صوت إله لا صوت إنسان" (أع 22:12) لأنه لم يرفض هذه العبارة، ولم يعط المجد لله، ملاك الرب ضربه ومات وأكله الدود. هناك فرق بين سجود الاحترام، وسجود العبادة.

† نحن أيضاً نسجد أمام الهيكل، فهل بنعبد الهيكل؟! بنسجد أمام المذبح، فهل بنعبد المذبح؟! طبعاً لا، سجود الاحترام شئ وسجود العبادة شئ آخر، هنا الإنسان بيفسر الكلام تفسير سليم، وبآيات من الكتاب تثبت هذا الأمر.

† (الأبوة الروحية) مثلاً: ربما البروتستانت لا يستخدموا كلمة (أبونا) ولو أنهم لا يرفضوها إذا قيلت لهم، الأبوة الروحية موجودة فى العهد القديم، وموجودة فى العهد الجديد.

† ففى العهد القديم إليشع النبى عندما رُفع عنه إيليا النبى، وكان معلمه قال له: "يا أبى يا أبى، يا مركبة إسرائيل وفرسانها" (2مل 14:13) بينما الاثنين بتوليين.

† بولس الرسول يقول عن تيموثاوس: "الابن الصريح فى الإيمان" (1تى 2:1) وبولس كان بتول، فهذه كانت أبوة روحية.

† ويقول عن أنسيمس: "ابنى انسيمس الذى ولدته فى قيودى.. الذى هو أحشائى" (فل 10:1،12).

† ويوحنا الرسول وهو رجل بتول يقول فى رسالته الأولى: "يا أولادى أكتب إليكم لكى لا تخطئوا" (1يو 2:1). إذن الأبوة الروحية موجودة بتعليم من الكتاب المقدس. أنا أنصح فى هذه المناسبة، بأنكم تقرأوا كتاب كنت قد أصدرته لكم فى مجموعة المسابقات (الجزء الرابع)، مسابقات فى العقيدة واللاهوتيات لأن به أمور كثيرة هامة وخصوصاً فى الحوار اللاهوتى بيننا وبين كثيرين، بالرد بآيات من الكتاب المقدس مع التحليل الفكرى.

تاريخ قانون الإيمان

تاريخ قانون الإيمان
 قانون الإيمان هو أساس عقيدة المسيحية. وكل الكنائس المسيحية هى التى تؤمن بقانون الإيمان. وإذا وجد أناس لا يؤمنون به، لا يعتبرون مسيحيين. من أمثال ذلك شهود يهوه, الأدفنتست السبتيين.
ولأهمية قانون الإيمان فى كنيستنا جعلته ضمن كل الصلوات الليتورجية. فنجده فى غالبية صلوات الأسرار الكنسية، وصلوات الأجبية واللقان.....الخ. وهذا تعبير عن أن الإيمان المسيحى هو عنصر أساسى فى حياتنا الروحية، كإيمان معاش.
تاريخ قانون الإيمان :
يرجع تاريخ وضع قانون الإيمان المسيحى إلى عام 325م فى مجمع نيقية (أسطنبول- تركيا حالياً) بدعوة من الإمبراطور قسطنطين الكبير للنظر فى بدعة أريوس الهرطوقى الذى نادى مزعماً بأن السيد المسيح ليس أزلياً مع الآب. فأجتمع المجمع العظيم من 318 أسقفاً يمثلون أبرز وأعلم أساقفة العالم المسيحى، وقد حضر ممثلاً لكنيستنا القبطية الأرثوذكسية (كنيسة الإسكندرية) البابا السكندرى (الـ 19)، وتلميذه الشاب الغيور الشماس أثناسيوس (الذى صار فيما بعد البابا العشرون الملقب بالبابا أثناسيوس الرسولى(299-373م).
ناقش الآباء المجتمعون فى المجمع المقدس أريوس، مبينين له التعليم اللاهوتى الصحيح الذى تسلمته الكنيسة الأولى من السيد المسيح نفسه، أنه هو الابن الوحيد الذى تجسد من العذراء مريم فى ملء الزمان، وأنه هو الواحد مع الآب فى الجوهر الإلهى، والكائن معه منذ الأزل. ونظراً لإصرار أريوس على تعاليمه الهرطوقية، فقد أصدر المجمع حرماً ضد أريوس، وصاغ المجمع الإيمان المسيحى فى قانون وهو ما يسمى بقانون الإيمان من بداية " بالحقيقة نؤمن بإله واحد...." حتى عبارة " الذى ليس لملكه انقضاء".
وبعد تلك الفترة ظهر رجل مبتدع آخر يدعى مقدونيوس، الذى أثار بدعة جديدة ضد الروح القدس، منادياً أن الروح القدس مخلوق, فانعقد المجمع المسكونى الثانى فى القسطنطينية سنه 381م، وأكمل الجزء الثانى من قانون الإيمان بداية من " نعم نؤمن بالروح القدس" حتى نهاية قانون الإيمان شارحاً الكلام عن أقنومية الروح القدس ولاهوته مع الحديث عن الكنيسة وعلاماتها وعقيدة قيامة الموتى والحياة الأخرى.
وبذلك يكون قانون الإيمان قد وضعه مجمع نقية المسكونى سنه325م وأكمله مجمع القسطنطينية المسكونى 381م، لذلك يسمى بقانون الإيمان النيقاوى القسطنطينى.
حول نص قانون الإيمان النيقاوى القسطنطينى:
تتناول بنود قانون الإيمان العقائد المسيحية التى تؤمن بها كل الكنائس المسيحية وهو يشتمل على أحدى عشر بند:
1. الإيمان بوجود الله.
2. الإيمان بوحدانية الله.
3. لاهوت الآب وعمله.
4. ألوهية السيد المسيح الابن الكلمة.
5. التجسد والفداء والخلاص بالصليب
6. قيامة السيد المسيح وصعوده إلى السموات وجلوسه عن يمين الآب.
7. المجئ الثانى للسيد المسيح.
8. لاهوت الروح القدس وعمله وعقيدة الانبثاق من الأب.
9. الإيمان بالكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية.
10. الإيمان بالمعمودية الواحدة لمغفرة الخطايا.
11. قيامة الأموات والحياة الأخرى.
وسوف نتناول بشئ من الإيجاز شرح هذه النقاط.
1- الإيمان بوجود الله:
الإيمان كما يُعبر عنه الكتاب المقدس هو " الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى"(عب11: 10) أى الثقة والقناعة القلبية مع التسليم الكامل فكراً وقلباً. لذا أول أمر نؤمن به هو وجود الله. فإذا كان الإنسان كما يقول بعض العامة الله لم يره أحد ولكنه عرفوه بالعقل، هذا من ناحية إمكانيات البشر ولكن يؤمن الإنسان بوجود الله، وهذا يظهر من خلال الخليقة نفسها.
فالإنسان المتأمل فى الطبيعة والكائنات، والسماء والأرض وما تحويه من نظم دقيقة، هذه الأمور تدل على وجود الخالق الحكيم، مهندس الكون الأعظم والفنان العظيم والدقيق فى عمله. لذا يقول معلمنا داود النبى" السموات تنطق بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه"(مز18: 1).
والقديس بولس الرسول يقول" إذ معرفة الله ظاهرة فيهم لأن الله أظهرها لهم، لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية و لاهوته حتى أنهم بلا عذر"(رو1: 19-21)
ولنأخذ أمثلة توضح ذلك
1- الشمس : فهى تبعد عن الأرض بنحو 93مليون ميل، فهى بذلك تضئ الكون كله، وترسل الحرارة والدفء اللازمين لحياة الحيوان والنبات والإنسان. فتخيل أن هذه المسافة قلت أو زادت عن 93 مليون ميل لاشك أنها تجعل الكون يتجمد، أو يحرق الكون نتيجة نقصان المسافة.
2- القمر: يدور حول الأرض ويعكس علينا نور الشمس، ويبعد عن الأرض مسافة 276000 ميل، هذه المسافة الدقيقة تحفظ وضع المحيطات والبحار فى أماكنها. فإذا اقترب القمر إلينا أكثر من وضعه الحالى فماذا كان يحدث؟ سوف يجذب المياه إليه، ويحدث نتيجة هذا ما يسمى بالمد، بحيث تخرج المياه من المحيطات والبحار وتغرق الأرض كلها.
وهناك أمثال كثيرة مثل النباتات المتنوعة، وتكوين الإنسان.......الخ. حقاً كما يقول الكتاب المقدس فى سفر أيوب " اسأل البهائم فتعلمك، و طيور السماء فتخبرك، استفهم الأرض فتلقنك، وأسماك البحر تحثك، من لا يعلم من كل هؤلاء أن يد الرب صنعت هذا " ( أيوب 12: 7 ).
يذكر القديس أوغسطينوس فى كتاب (الاعترافات) (ك10- ف6 ) أنه سأل كل من الأرض والبحر والزواحف والعاصفة والهواء والشمس والقمر والكواكب......الخ. قائلاً لها هل أنت الله، أو تعرفى أين هو؟ فيقول أجابت جميعاً بصوت واحد " هو الذى صنعنا ".
2- الإيمان بوحدانية الله:
تؤمن المسيحية منذ قرنها الأول بوحدانية الله، وترفض مبدأ "الشرك" أى تعدد الآلهة مثل الوثنيين، لذلك نجد أن آباء الكنيسة اهتموا بالدفاع عن وحدانية الله وعدم الشرك به، كما ينادى الوثنيون. وأخذ الآباء فى كتاباتهم يبرهنون بالدليل العقلى على أن تعدد الآلهة لا يقبله العقل السليم وأن الله يجب أن يكون واحداً، ولا يمكن أن يكون غير ذلك. وقد وضعوا مؤلفات فى ذلك مثل ما كتبه القديس أثناسيوس فى الرسالة ضد الوثنيين وأيضاً فى كتاب تجسد الكلمة.
ونصوص الكتاب المقدس تدل على الإيمان بوحدانية الله من هذه الآيات:
+ "إعلم اليوم و ردد في قلبك أن الرب هو الإله في السماء من فوق و على الأرض من أسفل ليس سواه" (تث4: 39)
+ "إنى أنا هو و لا اله معي" (تث32: 39)
+ "أنا هو الأول والآخر وليس إله غيرى" (أشعياء44: 6)
+ "أنا الرب و ليس آخر ولا اله سواي" (أشعياء45: 5)
+ كما ورد فى العهد الجديد أن الله واحد فى (مت19: 17)، (مر10: 17)، (لو18: 19)، ( رو3: 30)، (1كو8: 4)، (1كو12: 6) (أف4: 6).
وفى نهاية رسم الصليب إعلان عن وحدانية الله "بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين".
وفى صلوات القداس يقول الكاهن فى أوشية السلامة "اقتننا لك يا الله مخلصنا فإننا لا نعرف إلهاً آخر سواك". فقانون الإيمان يعلن أن المسيحية تؤمن بإله واحد، ولا يشترك معه أحد فى الألوهية.
فتؤمن المسيحية أن الله واحد فى الجوهر ومثلث من حيث الأقانيم. هذا التعليم الإلهي أعلنه الله نفسه فى الكتاب المقدس، فقد أشار العهد القديم إلى الله الواحد الثالوث وتحدث عنه العهد الجديد صراحة.
فالثالوث القدوس لا يعنى تعدد الآلهة، وإنما يعنى فهم التفاصيل فى الذات الإلهية الواحدة. فالآب هو الأصل أو الينبوع أو الذات الإلهية، والابن هو عقل الله الناطق أو نطق الله العاقل، هو حكمة الله (1كو23: 24). والروح القدس هو روح الله أصل الحياة وباعثها فى كل الوجود. لذا نجد أن قانون الإيمان ينتقل إلى الحديث عن كل أقنوم على حده.
3- الآب ضابط الكل من حيث لاهوته وعمله:
الله الآب هو أب للابن فى الثالوث، وهو أب لكل المؤمنين به. "والآب لم يره أحد قط الابن الوحيد الذى فى حضن الآب هو خبر" (يو1: 18). فنحن لا نرى الآب إنما نراه فى ابنه الذى تجسد وصار فى الهيئة كإنسان فى شبه الناس (فى2: 7-8) لذلك فإن كل الظهورات فى العهد القديم كانت للابن، لأنه هو الذى يعلن لنا ويخبرنا عن الآب الذى لم يره أحد قط.
كما أن أبوة الآب للابن هى أبوة من حيث الطبيعة الإلهية، أما أبوة الآب لنا نحن البشر، فهى من حيث وضعنا بعد الإيمان بالمعمودية، حيث أصبحنا أولاد الله " أما الذين قبلوه أعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يو1: 12)
وعبارة ضابط الكل: أى أنه يضبط كل الكائنات، ولا يخرج شئ أو أمر عن تدبيره ورقابته. كما أن عبارة "الكل" تدل على الشمولية للسمائيين والأرضيين، سواء كانت كائنات عاقلة أم غير عاقلة أو جامدة. الكل تحت سلطانه بما فيها الملائكة والشياطين. فالشيطان ليس إلهاً للشر بل هو مخلوق تحت السيطرة لله ضابط الكل.
+ خالق السماء والأرض ما يرى وما لا يرى....
عبارة خالق هى صفة من صفات الله وحده. كما تعنى أن هناك خلقة من العدم من اللاموجود. فالله من طبيعته أنه يخلق، أما الإنسان فأقصى شئ يصل إليه أن يكون صانعاً لا خالقاً، ويكون بالعقل الذى خلقه الله.
كما أن الآب خالق السماء والأرض، أى خالقها بما فيها من كائنات وموجودات حية مرئية وغير مرئية، الأرض والسموات.
+ كما أن الآب خالق كل شئ بالابن
وهو حكمة الله وقوة الله (1كو1: 23، 24). وبذلك يكون الله خلق كل شئ بعقله، بحكمته، بنطقه، أى بالابن. لذا يقول القديس بولس الرسول عن الابن "الذى به أيضاً عمل العالمين" (عب1: 2). ويقول الإنجيل للقديس يوحنا "كل شيء به كان و بغيره لم يكن شيء مما كان" (يو1: 3)
+ ألوهية السيد المسيح:
4- "نؤمن برب واحد يسوع المسيح"
بعد أن تكلم قانون الإيمان عن الأقنوم الأول "الآب" انتقل إلى الحديث عن الأقنوم الثانى"أقنوم الابن" أنه هو الرب يسوع المسيح. وكلمة رب تعنى سيد أو إله. وقد استخدمت كلمة رب فى قانون الإيمان بالمعنى الثانى "إله". والسيد المسيح انطبقت عليه كلمة (رب) فى الإنجيل المقدس بتعبير يدل على لاهوته.
والقديس كيرلس الاسكندرى يعتبر أن عبارة "رب واحد يسوع المسيح" هى مفتاح الإيمان الأرثوذكسى السليم. وهى العبارة التى جعلت القديس كيرلس يسجل أكثر من مرة أننا "نتبع الآباء"، وأننا نتمسك بالتسليم الرسولى، لأن المسيح هو الذى سلم الإيمان، وهو بنفسه كان حاضراً فى جلسات المجمع النيقاوى (شرح قانون الإيمان- فقرة4). وبذلك تبين عبارة قانون الإيمان أن يسوع المسيح هو الله الظاهر فى الجسد، لأن الجسد اتحد بشكل فائق سرى بالأقنوم الثانى دون أن يتغير أو يتحول إلى طبيعة الجسد، ولا أن امتزج أو تحول إلى خليط من الناسوت واللاهوت فى جوهر جديد.
+ ابن الله الوحيد
عبارة ابن الله الوحيد تعنى أننا رأينا الله الآب غير المنظور من خلاله. كما انه هو ابن الله لأنه فى لاهوته وطبيعته من طبيعة الله وجوهره. واستخدام السيد المسيح لكلمة "الابن" لأنه ليس فى لغة البشر ما يعبر عن العلاقة والمطابقة التامة بين الرب يسوع والله الآب غير لفظ الابن. ولهذا قال السيد المسيح "من رآني فقد رأى الآب....صدقونى أنى فى أبى وأبى فىّ" (يو14: 9-11)، وكذلك "أنا والآب واحد" (يو1: 3)
كما أن عبارة "الوحيد" أى انه ليس له نظير فى هذه البنوة، فهى بنوة متفردة فى الثالوث، عن أى بنوة أخرى فى عالم الإنسان أو الحيوان .......الخ.
+ المولود من الأب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق:
فالابن مولود من الآب منذ الأزل ولادة متفردة، ليس لها مثيل فى الوجود كله فليست بنوة زمنية ولا بنوة جسدية، بل هى بنوة روحية مستمرة للأبد كولادة النور من النور. فقد قيل عن الآب أنه " ملك الملوك ورب الأرباب.... ساكناً فى نور لا يدنى منه الذى لم يره أحد من الناس" (1تى6: 15-16) فالآب نور بالمعنى اللاهوتي وليس بالمعنى المادى. والابن المولود منه هو نور من نور، أى من نفس طبيعته اللاهوتية، وله نفس الصفات الإلهية.
+ إله حق من إله حق:
أى أن الابن هو إله بالحقيقة من نفس طبيعة الإله الحقيقى، وليس مثل الذين دعوا آلهة بمعنى سادة وليس هم آلهة بالحقيقة. فموسى النبى قال له الله" جعلتك إلهاً لفرعون" (خر7: 1)، وكلمة إله هنا لا تعنى أنه خالق أو أزلي أو قادر على كل شئ، ولكن إله بمعنى( سيد). لأن موسى إنسان وليس من طبيعة الله.
فالابن هو نفسه من طبيعة الآب ومن جوهره، فلاهوت الابن هو نفسه لاهوت الآب والروح القدس المالئ كل مكان له كل الصفات الإلهية.
+ مولود غير مخلوق:
تعنى أن الابن إذا كان قد أخذ جسداً مخلوقاً من العذراء فى ملء الزمان، إلا أن لاهوته غير مخلوق، فالابن بلاهوته مولود من الأب بولادة تفوق الإدراك والعقل، ولادة روحية. كما يولد الفكر من العقل، وكما يولد شعاع النور من الشمس. وهنا يعطى قانون الإيمان الفهم الصحيح عن ولادة المسيح من الآب ضد تعليم الأريوسيين.
+ مساو للأب فى الجوهر:
الأريوسيون يعتمدون على الآية الواردة فى( يو14: 28)"أبى أعظم منى " معتبرين أن الابن أقل من الآب فى الجوهر، وغير مساو له فى كل شئ.
لم يفهم الأريوسيين أن عبارة "أبى أعظم منى " قيلت عن حالة إخلاء الذات فى الجسد إذ أن السيد المسيح "إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله، لكنه أخلي نفسه أخذاً صورة عبد، صائرا في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب"(فى2: 6-8). وهنا صورة العبد الذى أخذها هى حالة الإخلاء، مع بقاء جوهر اللاهوت كما هو لم ينقصه تواضع الناسوت شيئاً.
+ الذى به كان كل شئ:
وهنا يريد قانون الإيمان أن يوضح أن الابن له صفة الخلق مثل الآب "كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان" (يو1: 3). وهذا يعنى أن الآب خلق كل شئ بالابن، لأنه هو عقل الله وقوته وحكمته(1كو1: 24).
5- التجسد والفداء والخلاص بالصليب:
+ " هذا الذى من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء :
كان الهدف الأساسي للتجسد هو الفداء والخلاص للبشرية من الخطيئة الأصلية التى تلوثت بها البشرية عن طريق الوراثة من أبينا آدم أب جميع البشرية. لذلك نزل السيد الابن الكلمة من السماء وولد من العذراء مريم بجسد خاص به من الروح القدس " الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك...."(لو1: 35). وأقنوم الروح القدس عمل أمرين الأول هو تقديس مستودع العذراء مريم لكى لا يرث المولود الخطيئة الأصلية. وثانياً لكى يكون جسد المسيح الخاص بأمه العذراء القديسة مريم بدون زرع بشر. هذا الجسد الذى أخذه من القديسة مريم العذراء، واتحد به منذ اللحظة الأولى لتكوينه بل نقول أن الاتحاد كان فى لحظة التجسد نفسها. حيث اتحدت الطبيعة اللاهوتية بالطبيعة الناسوتية.
كما أن عبارة تجسد تعنى أن السيد المسيح أخذ طبيعة بشرية كاملة جسداً وروحاً إنسانية من العذراء القديسة مريم التى استحقت أن تلقب "بوالدة الإله" لا بمعنى أنها أصل اللاهوت الذى حل فيها، بل لأنها حملته فى أحشائها وولدته وهى دائمة البتولية.
+ "تأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطى"
عبارة تأنس أى صار انساناً كاملاً، له طبيعة ناسوتية قال عنه الرسول "يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح" (1تى2: 5). لأن السيد المسيح ولو لم يكن إنساناً كاملاً، فلا يكون قد شابهنا فى كل شئ، ولا يكون قد أخذ طبيعتنا المحكوم عليها بالموت.
كما أن عبارة تأنس هى ضد تعاليم الهرطقة الأبولينارية التى نادت بأن ناسوت السيد المسيح كان جسداً فقط دون روح إنسانية.
فالسيد المسيح إله كامل وإنسان كامل "صلب عنا" أى نيابة وبدلاً عن كل البشرية لكى يفديها بموته على الصليب.
فالسيد المسيح نفس بارة ماتت عن أنفس خاطئة. فهو على الصليب لم يكن خاطئاً وإنما حمل خطايا العالم كله الماضية والحاضرة والمستقبلة.
وعبارة على "عهد بيلاطس البنطى" تعنى أن الفداء بالصليب كان حدثاً فعلياً فى الزمن وكان فى زمن حكم بيلاطس البنطى.
+ "تألم وقبر وقام من بين الأموات فى اليوم الثالث كما فى الكتب":
هو اعتراف بعمل الفداء الذى قام به الرب يسوع المسيح على الصليب، حيث صلب حقاً وتألم فى الجسد، وقبر دون أن يفارق لاهوته أى من الجسد الموجود فى القبر أو الروح الإنسانية التى نزلت إلى الجحيم. وفى اليوم الثالث قام المسيح بقوة لاهوته متحد بكل من الجسد والروح منتصراً على الموت.
+ "صعد إلى السموات وجلس عن يمين الآب":
الصعود هنا هو صعود الجسد وليس اللاهوت، لأن اللاهوت لا يصعد ولا ينزل، فهو موجود فى كل مكان، مالئ كل مكان. فالسيد المسيح صعد إلى السماء جسدياً كما نصلى فى القداس الغريغورى "وعند صعودك إلى السموات جسدياً" وكان الصعود بالجسد القائم الروحانى الممجد الذى لا يدخل فى نطاق الجاذبية الأرضية. كما أن عبارة صعد إلى السموات تعنى سماء السموات وهى الخاصة بمجد الله (مت5: 34).
+ والجلوس عن يمين أبيه:
ورد فى مواضع عديدة من الكتاب المقدس (مز16: 19)، (عب8: 1)، (عب1: 3). كما أن عبارة جلس عن يمين أبيه، فالله ليس فيه شمال أو يمين، لأنه ليس محدوداً مثل الكائنات المخلوقة. فلا يوجد فراغ من اللاهوت حتى يجلس الابن عن اليمين.
وإنما كلمة يمين فى المصطلح الكتابى تعنى أحياناً القوة أو البر أو الكرامة، كما يقول المرنم فى المزمور "يمين الرب صنعت قوة يمين الرب رفعتنى، يمين الرب صنعت قوة، فلن أموت بل أحيا......الخ"(مز118: 15-17)
كما أن عبارة جلس "تعنى استمر فى القوة والمجد والكرامة، بعد ان كان فى حالة إخلاء للذات.
6- المجئ الثانى للسيد المسيح:
عبارة "وأيضاً يأتى فى مجده ليدين الأحياء والأموات الذى ليس لملكه انقضاء" تعنى أن السيد المسيح يأتى فى مجد طبيعته الإلهية، وليس فى مجد جديد يمنح له، بل مجده الخاص به الذى كان قبل كون العالم (يو17: 5)، وهو هو المجد الذى كان محتجب، أو فى حالة إخلاء اثناء التجسد كإنسان.
كما أن المجئ الثانى هو للدينونة فى انقضاء العالم، حيث تكون القيامة العامة لجميع من فى القبور، فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة والذين فعلوا السيئات إلى قيامة الدينونة (يو5: 28-29)
فالسيد المسيح يأتى فى مجيئه الثانى "المخوف المملوء مجداً" للدينونة والمكافأة وعبارة "الذى ليس لملكه انقضاء" تعنى أن المسيح كما هو أزلى لا بداءة له، كذلك هو أبدى لا نهاية له (لو1: 33) (دا7: 14)
7- لاهوت الروح القدس:
بعد أن تحدث قانون الإيمان عن لاهوت الابن وتجسده وفداءه.....الخ، ينتقل للحديث عن لاهوت الروح القدس، وهو الجزء الذى قرره مجمع القسطنطينية 381م، كما ذكرنا سابقاً.
يقول قانون الإيمان "نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيى المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده مع الآب والابن، الناطق فى الأنبياء"
الروح القدس هو روح الآب وروح الابن، وهو الأقنوم الثالث فى الثالوث القدوس (مر13: 11)، (لو12:12) (غلا4: 6) (1بط1: 11)، لذلك يبدأ هذا الجزء بعبارة نعم نؤمن بالروح القدس أنه هو الرب المحيى.
وعبارة الرب المحيى تعنى الإله الذى يمنح الحياة، أى أنه يخلق يقول المزمور عن المخلوقات " كلها اياك تترجى لترزقها قوتها فى حينه، تنزع أرواحها فتموت وإلى ترابها تعود. ترسل روحك فتخلق" (مز104: 27، 30).
أيضاً الروح القدس أزلى كما أن الابن أزلياً. يقول الكتاب "فكم بالحرى يكون دم المسيح الذى بروح أزلى قدم نفسه لله" (عب9: 14). فالروح القدس هو روح المسيح الأزلي، فالأزلية هى صفة من صفات الله وحده.
عبارة المنبثق من الآب تؤكد على وحدة الجوهر فى الثالوث، وان جوهر الروح القدس هو نفس جوهر الآب والابن، مع وجود التمايز فى الأقانيم الثلاثة. ومثال ذلك قرص الشمس. فالقرص متميز عن أشعة الضوء والحرارة المنبثقة من الشمس.
وولادة الابن من الآب، وإنبثاق الروح القدس من الآب، ليس معناه أن الآب متقدم عن الابن والروح القدس، ولكن باعتبار أن الآب هو الينبوع أو قرص الشمس أو الذات الإلهية.
والمنبثق من الآب يطابق ما ورد فى (يو15: 26) حيث قال السيد المسيح "روح الحق الذى من عند الآب ينبثق"
وهناك فرق بين الانبثاق والإرسال من الناحية اللاهوتية. فالانبثاق منذ الأزل أما الإرسال فهو فى حدود الزمن. الانبثاق يكون من الآب أما الإرسال فعن طريق الابن.
وهذا بخلاف ما تعلم به الكنيسة الكاثوليكية بخصوص انبثاق الروح القدس من الآب والابن، الذى يجعل هناك أصلان فى الثالوث وبالتالى يدعو إلى تعدد الآلهة.
وعبارة "نسجد له ونمجده" فى قانون الإيمان لئلا يظن البعض أن الروح القدس أقل من الآب والابن. لذلك فعبارة نمجده، تعنى أنه له نفس المجد الذى للآب والابن وتعنى المساواة بين الأقانيم الثلاثة.
وعبارة "الناطق فى الأنبياء تعنى الوحى الإلهى، أى أن الروح القدس هو الذى يلهم الأنبياء ويوحى إليهم. حتى كتبوا أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.
9- الإيمان بالكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية:
والكنيسة هى مبنى الكنيسة- وجماعة المؤمنين ورجال الكهنوت (الرئاسة الكنسية) (مت18: 18), فالكنيسة واحدة فى الإيمان والعقيدة والفكر والتعليم، بل أيضاً واحدة فى الروحانية. فالسيد المسيح يريد كنيسة واحدة على مثال وحدة الأقانيم فى الثالوث.
فالكنيسة الواحدة تشمل كل أعضاء الجسد الواحد (المؤمنون) على الأرض وفى السماء، كما تشمل الملائكة أيضاً (أف2: 19).
والكنيسة مقدسة لأن المسيح سلم نفسه للصليب "لكى يقدسها بدمه، ولكى يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن...." (أف5: 25- 27).
كما أن الكنيسة جامعة تحوى من كل جنس ولون ولسان، ورسالتها فى كل العالم إلا أن لها الإجماع العام على الإيمان المسيحى الأرثوذكسى.
كذلك كنيسة رسولية لأنها "مبنية على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية" (أف2: 20).
لذلك من يدعى الكهنوت لنفسه دون وضع يد عليه من رؤساء شرعيين رسوليين متصلين بسلسلة الخلافة الرسولية. فإنه لا يمكن الاعتراف بدرجته الكهنوتية كما أوصى مجمع نيقية فى قراراته بإعادة معمودية من تعمدوا بيد الهراطقة.
10- الإيمان بالمعمودية الواحدة لمغفرة الخطايا:
المعمودية لها أهميتها وضروريتها للخلاص، الإنسان حسبما قال السيد المسيح لنقوديموس فى (يو3)، وقوله أيضاً فى (مر16: 16) "من آمن واعتمد خلص".
وفى المعمودية ننال استحقاقات دم المسيح للمغفرة، فتغفر لنا جميع الخطايا السابقة للمعمودية، سواء الخطية الأصلية الجدية، أو الخطايا الفعلية السابقة للمعمودية فالمعمودية واحدة لأن ما دامت الخطيئة الأصلية قد غفرت، فلا داعى لتكرار المعمودية إذن. أما الخطايا الفعلية التى ترتكب بعد المعمودية، فتغفر بواسطة سر التوبة والاعتراف.
والمعمودية تكون واحدة بين جميع الكنائس المسيحية التى لها الإيمان الواحد الأرثوذكسى. لذلك تقبل الكنيسة القبطية معمودية الكنائس التى معنا فى الإيمان الواحد السليم.
كما يجب أن يقوم بالمعمودية رجال الكهنوت معترف بهم، وليسوا تحت الحكم، كما أقر ذلك مجمع قرطاجنة سنه 276م برئاسة القديس كبريانوس.
كما يجب أن تكون المعمودية على أسم الثالوث، وثلاثة غطسات باسم الأب والابن والروح القدس"(مت28: 19).
11- الإيمان بقيامة الأموات وحياة الدهر الآتى:
الإيمان بقيامة الأموات الأبرار والأشرار، حسبما ورد فى كلمات السيد المسيح " تأتى ساعة يسمع فيها جميع الذين فى القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين فعلوا السيئات إلى قيامة الدينونة"( يو 5: 28-29) والسيد المسيح كان باكورة لقيامتنا جميعاً(1كو15: 20-23). فالقيامة هى بأجساد ممجدة روحانية سماوية غير مادية.
والقيامة العامة يعقبها الدينونة ويكون هذا فى المجئ الثانى للرب يسوع لذلك قيل عن السيد المسيح " إن ابن الإنسان سوف ياتى فى مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله( مت16: 27)، (مت25: 31-33).
وفى أثناء القيامة العامة ومجئ المسيح الثانى يكون اختطاف للأحباء الذين على الأرض وتتغير أجسامهم كقول الكتاب " الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله، سوف ينزل من السماء. والأموات فى المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم فى السحب لملاقاة الرب فى الهواء. وهكذا نكون فى كل حين مع الرب" (1تس4: 16-17).
 وبذلك تكون أحداث اليوم الأخير كالآتي:
1- مجئ المسيح الثانى مع ملائكته وربوات قديسيه.
2- قيامة الأموات الأبرار والأشرار.
3- اختطاف القديسين على السحاب وتغيير طبيعة أجسادهم إلى جسد القيامة.
4- الدينونة العامة حيث يظهر جميع البشر أمام كرسى المسيح، لينال كل واحد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً (2كو10: 5).
وبذلك تنتهى الحياة الحاضرة فى هذا العالم المادى، لتبدأ حياة الدهر الآتى. هكذا يأخذ قانون الإيمان النيقاوى القسطنطينى فى إعلان عن الإيمان المسيحى الأرثوذكسى النقى بداية من الإيمان بوجود الله، حتى الدينونة العامة والحياة فى الدهر الآتى.