اهلا وسهلا بضوفنا الكرام





25‏/02‏/2012

أسئلة وأجوبة حول العقيدة الأرثوذكسية


أسئلة وأجوبة حول العقيدة الأرثوذكسية
    1-هل توجد آيات صريحة في الكتاب المقدس تذكر لاهوت المسيح؟ يسرنا إيراد بعض منها .
 2-لماذا كان السيد المسيح يلقب نفسه بابن الإنسان؟ هل في هذا عدم اعتراف منه بلاهوته؟ ولماذا لم يقل إنه ابن الله؟
 3-يسئ الأريوسيون فهم الآية التي قال فيها سيدنا يسوع المسيح "أبى أعظم منى" (يو28:14). كما لو أن الأب أعظم من الابن في الجوهر أو في الطبيعة!! فما تفسيرها الصحيح؟
4-نقول إن المسيح ابن الله. فهل هو أصغر منه، لأن الابن عادة يكون أصغر من الأب. وقد رأيت أيقونة في كاتدرائية بالخارج. فيها صورة الأب بلحية بيضاء، والابن بلحية سوداء.
 5-قال السيد المسيح "مجدني أنت أيها الأب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو5:17). وهنا يسأل الأريوسيون: هذا الذي يطلب من الأب أن يمجده، هل من المعقول أن يكون مساوياً للآب الذي يمجده؟
  
  1- هل توجد آيات صريحة في الكتاب المقدس تذكر لاهوت المسيح؟ يسرنا إيراد بعض منها .
 نعم، توجد آيات كثيرة، نذكر من بينها:     
قول بولس الرسول عن اليهود:      
".. ومنهم المسيح حسب الجسد، الكائن على الكل إلهاً مباركاً    
مقدمة إنجيل يوحنا واضحة جداً. إذ ورد فيها: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله" (يو1:1). وفى نفس الفصل ينسب إليه خلق كل شئ، فيقول "كل شئ به كان. وبغيره لم يكن شئ مما كان" (يو3:1).     
وعن لاهوت المسيح وتجسده يقول بولس الرسول في رسالته الأولى إلى تيموثاوس "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد" (1يو16:3).         
وعن هذا الفداء الذي قدمه المسيح كإله يقول بولس الرسول إلى أهل أفسس "احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أع28:20)    
وطبعاً ما كان ممكناً أن الله يقتنى الكنيسة بدمه، لولا أنه أخذ جسداً، سفك دمه على الصليب.  
ولقد اعترف القديس توما الرسول بلاهوت المسيح، لما وضع أصبعه على جروحه بعد قيامته، وقال له: "ربى وإلهي" (يو28:20).        
وقد قبل السيد المسيح من توما هذا الإيمان بلاهوته. وقال له موبخاً شكوكه: "لأنك رأيتني يا توما آمنت. طوبى للذين آمنوا ولم يروا".       
وحتى اسم السيد المسيح الذي بشر به الملاك، قال: "ويدعون اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا" (مت23:1). 
وكان هذا إتماماً لقول النبي أشعياء: "ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً، وتدعو اسمه عمانوئيل" (أش14:7)، لقد صار الله نفسه آية للناس بميلاده من العذراء.      
وما أكثر الآيات التي تنسب كل صفات الله للمسيح.

2- لماذا كان السيد المسيح يلقب نفسه بابن الإنسان؟ هل في هذا عدم اعتراف منه بلاهوته؟ ولماذا لم يقل إنه ابن الله؟
 السيد المسيح استخدم لقب ابن الإنسان. ولكن كان يقول أيضاً إنه ابن الله ... قال هذا عن نفسه في حديثه مع المولود أعمى، فآمن به وسجد له (يو9: 35-38). وكان يلقب نفسه أحياناً [الابن] بأسلوب يدل على لاهوته كقوله "لكي يكرم الجميع الابن، كما يكرمون الآب" (يو5: 21-23). وقوله أيضاً:
"ليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب. ولا من هو الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له" (لو22:10). وقوله أيضاً عن نفسه: "إن حرركم الابن فبالحقيقة أنتم أحرار" (يو36:8).
وقد قبل المسيح أن يدعى أبن الله، وجعل هذا أساساً للإيمان وطوب بطرس على هذا الاعتراف.
قبل هذا الاعتراف من نثنائيل (يو49:1)، ومن مرثا (يو27:11)، ومن الذين رأوه "ماشياً على الماء" (مت33:14). وطوب بطرس لما قال له "أنت هو المسيح ابن الله". وقال "طوياك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبى الذي في السموات" (مت16: 17،16).       
وفى الإنجيل شهادات كثيرة عن أن المسيح ابن الله.        
إنجيل مرقس يبدأ بعبارة "بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله" (مر1:1). وكانت هذه هي بشارة الملاك للعذراء بقوله "فلذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو35:1). بل هذه كانت شهادة الآب وقت العماد (مت17:3)، وعلى جبل التجلي (مر7:9)، (2بط1: 18،17). وقول الآب في قصة الكرامين الأردياء "أرسل أبنى الحبيب" (لو13:20). وقوله أيضاً "من مصر دعوت أبنى" (مت15:2). وكانت هذه هي كرازة بولس الرسول (أع20:9)، ويوحنا الرسول (1يو15:4)، وباقي الرسل.         
إذن لم يقتصر الأمر على لقب ابن الإنسان. بل إنه دعي ابن الله، والابن، والابن الوحيد. وقد شرحنا هذا بالتفصيل في السؤال عن الفرق بين بنوتنا لله، وبنوة المسيح لله. بقى أن نقول: استخدم المسيح لقب ابن الإنسان في مناسبات تدل عل لاهوته.     
1- فهو كابن الإنسان له سلطان أن يغفر الخطايا.وهذا واضح من حديثه مع الكتبة في قصة شفائه للمفلوج، إذ قال لهم: ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا، حينئذ قال للمفلوج قم أحمل سريرك وأذهب إلى بيتك (مت9: 2-6).     
2- وهو كابن الإنسان يوجد في السماء والأرض معاً. كما قال لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو13:3). فقد أوضح أنه موجود في السماء، في نفس الوقت الذي يكلم فيه نيقوديموس على الأرض. وهذا دليل على لاهوته.   
3- قال إن ابن الإنسان هو رب السبت.فلما لامه الفريسيون على أن تلاميذه قطفوا السنابل في يوم السبت لما جاءوا، قائلين له "هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله في السبوت "شرح لهم الأمر وقال "فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً" (مت8:12). ورب السبت هو الله.      
4- قال إن الملائكة يصعدون وينزلون على ابن الإنسان.   
لما تعجب نثنائيل من معرفة الرب للغيب في رؤيته تحت التينة وقال له "يا معلم أنت ابن الله" لم ينكر أنه ابن الله، إنما قال له "سوف ترى أعظم من هذا.. من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان" (يو1:48-51). إذن تعبير ابن الإنسان هنا، لا يعنى مجرد بشر عادى، بل له الكرامة الإلهية. 
5- وقال إن ابن الإنسان يجلس عن يمين القوة ويأتي على سحاب السماء. فلما حوكم وقال له رئيس الكهنة "أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟ أجابه "أنت قلت. وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء" (مت26: 63-65). وفهم رئيس الكهنة قوة الكلمة، فمزق ثيابه، وقال قد جدف. ما حاجتنا بعد إلى شهود!
ونفس الشهادة تقريباً صدرت عن القديس اسطفانوس إذ قال في وقت استشهاده "ها أنا أنظر السماء مفتوحة، وابن الإنسان قائم عن يمين الله" (أع56:7).      
6- وقال إنه كابن الإنسان سيدين العالم. والمعروف أن الله هو "ديان الأرض كلها" (تك25:18). وقد قال السيد المسيح عن مجيئه الثاني "إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه، مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" (مت27:16). ونلاحظ هنا في قوله "مع ملائكته، نسب الملائكة إليه وهم ملائكة الله.
ونلاحظ في عبارة (مجد أبيه) معنى لاهوتياً هو:    
7- قال إنه هو ابن الله له مجد أبيه، فيما هو ابن الإنسان. ابن الإنسان يأتي في مجد أبيه. فهو أبن الإنسان، وهو ابن الله في نفس الوقت. وله مجد أبيه، نفس المج.. ما أروع هذه العبارة تقال عنه كابن الإنسان. إذن هذا اللقب ليس إقلالاً للاهوته ...
8- وقال إنه كابن الإنسان يدين العالم، يخاطب بعبارة (يا رب). فقال: ومتى جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب .. فيقيم الخراف عن يمينه، والجداء عن يساره. فيقول للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملكوت المعد لكم .. فيجيبه الأبرار قائلين: يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك.." (مت25: 31-37).
عبارة (يا رب) تدل على لاهوته. وعبارة (أبى) تدل على أنه ابن الله فيما هو ابن الإنسان.
فيقول "أسهروا لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم" (مت42:24). فمن هو ربنا هذا؟ يقول "أسهروا إذن لأنكم لا تعلمون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان" (مت13:25). فيستخدم تعبير (ربكم) و(ابن الإنسان) بمعنى واحد.        
9- كابن الإنسان يدعو الملائكة ملائكته، والمختارين مختاريه، والملكوت ملكوته. قال عن علامات نهاية الأزمنة : "حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء.. ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظم الصوت، فيجمعون مختاريه.." (مت24: 29-31).
ويقول أيضاً "هكذا يكون في انقضاء هذا العالم: يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار" (مت13: 40-41).  
وواضح طبعاً إن الملائكة ملائكة الله (يو51:1)، والملكوت ملكوت الله (مر1:9)، والمختارين هم مختارو الله.                  
10- ويقول عن الإيمان به كابن الإنسان، نفس العبارات التي قالها عن الإيمان به كابن الله الوحيد.
قال "وكما رفع موسى الحية في البرية، ينبغي أن يرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 14-16).   
هل ابن الإنسان العادي، يجب أن يؤمن الناس به، لتكون لهم الحياة الأبدية. أم هنا ما يقال عن ابن الإنسان هو ما يقال عن ابن الله الوحيد.      
11- نبوءة دانيال عنه كابن للإنسان تحمل معنى لاهوته. إذ قال عنه "وكنت أرى رؤيا الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان. أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً. لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول. وملكوته ما لن ينقرض" (دا13:7، 14). من هذا الذي تتعبد له كل الشعوب، والذي له سلطان أبدى وملكوته أبدى، سوى الله نفسه..؟!  
12- قال في سفر الرؤيا إنه الألف والياء، الأول والآخر ...         
قال يوحنا الرائي "وفى وسط المنائر السبع شبه ابن إنسان.. فوضع يده اليمنى على قائلاً لي: لا تخف أنا هو الأول والآخر، والحي وكنت ميتاً. وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين" (رؤ1: 13-18). وقال في آخر الرؤيا "ها أنا آتى سريعاً وأجرتي معي، لأجازى كل واحد كما يكون عمله. أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر" (رؤ22: 13،12). وكل هذه من ألقاب الله نفسه (أش12:48، أش6:44).
مادامت كل هذه الآيات تدل على لاهوته .. إذن لماذا كان يدعو نفسه ابن الإنسان، ويركز على هذه الصفة؟     
دعا نفسه ابن الإنسان لأنه سينوب عن الإنسان في الفداء. إنه لهذا الغرض قد جاء، يخلص العالم بأن يحمل خطايا البشرية، وقد أوضح غرضه هذا بقوله "لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك" (مت11:18).       
حكم الموت صدر ضد الإنسان، فيجب أن يموت الإنسان. وقد جاء المسيح ليموت بصفته ابناً لهذا الإنسان بالذات المحكوم عليه بالموت.        
لهذا نسب نفسه إلى الإنسان عموماً..        
إنه ابن الإنسان، أو ابن البشر. وبهذه الصفة ينبغي أن يتألم ويصلب ويموت ليفدينا. ولهذا قال "ابن إنسان سوف يسلم لأيدي الناس، فيقتلونه، وفى اليوم الثالث يقوم" (مت17: 24،23) (مت45:26).      
وأيضاً "ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً، ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم" (مر31:8).  
حقاً، إن رسالته كابن الإنسان كانت هي هذه.        
ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك (مت11:18).

 3- يسئ الأريوسيون فهم الآية التي قال فيها سيدنا يسوع المسيح "أبى أعظم منى" (يو28:14). كما لو أن الأب أعظم من الابن في الجوهر أو في الطبيعة!! فما تفسيرها الصحيح؟
 هذه الآية لا تدل على أن الآب أعظم من الابن، لأنهما واحد في الجوهر و الطبيعة واللاهوت.
وأحب أن أبين هنا خطورة استخدام الآية الواحدة. 
فالذي يريد أن يستخرج عقيدة من الإنجيل، يجب أن يفهمه ككل، ولا يأخذ أية واحدة مستقلة عن باقي الكتب، ليستنتج منها مفهوماً خاصاً يتعارض مع روح الإنجيل كله، ويتناقض مع باقي الإنجيل.
ويكفى هنا أن نسجل ما قاله السيد المسيح:
"أنا والأب واحد" (يو30:10).    
واحد في اللاهوت، وفى الطبيعة وفى الجوهر. وهذا ما فهمه اليهود من قوله هذا، لأنهم لما سمعوه "امسكوا حجارة ليرجموه" (يو31:10). وقد كرر السيد المسيح نفس المعنى مرتين في مناجاته مع الآب، إذ قال له عن التلاميذ "أيها الآب أحفظهم في اسمك الذين أعطيتني، ليكونوا واحداً كما أننا واحد" (يو11:17). وكرر هذه العبارة أيضاً "ليكونوا واحداً"، كما أننا لاهوت وتحد وطبيعة واحدة.
وما أكثر العبارات التي قالها عن وحدته مع الآب. 
مثل قوله "من رآني فقد رأى الأب" (يو9:14).   
وقوله للأب "كل ما هو لي، فهو لك. وكل ما هو لك، فهو لي "(يو10:17). وقوله عن هذا لتلاميذه" كل ما للآب، هو لي" (يو15:16). إذن فهو ليس أقل من الآب في شئ، مادام كل ما للآب هو له ... 
وأيضاً قوله "إني أنا في الآب، والأب في"(يو11:14) (يو10: 38،37)،  وقوله للأب "أنت أيها الآب في، وأنا فيك" (يو21:17).. وماذا يعنى أن الآب فيه؟ يفسر هذا قول الكتاب عن المسيح أن "فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً" (كو9:2).   
إذن ما معنى عبارة "أبى أعظم منى"؟ وفى أية مناسبة قد قيلت؟ وما دلالة ذلك؟
قال "أبى أعظم منى "في حالة إخلائه لذاته. كما ورد في الكتاب "لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى ذاته، آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس.." (فى2: 7،6).  
أي أن كونه معادلاً أو مساوياً للآب، لم يكن أمراً يحسب خلسة، أي يأخذ شيئاً ليس له. بل وهو مساو للآب، أخلى ذاته من هذا المجد، في تجسده، حينما أخذ صورة العبد. وفى إتحاده بالطبيعة البشرية، صار في شبه الناس ...         
فهو على الأرض في صورة تبدو غير ممجدة، وغير عظمة الآب الممجد. 
على الأرض تعرض لانتقادات الناس وشتائمهم واتهاماتهم. ولم يكن له موضع يسند فيه رأسه (لو58:9). وقيل عنه في سفر أشعياء إنه كان "رجل أوجاع ومختبر الحزن" "محتقر ومخذول من الناس" "لا صورة له ولا جمال، ولا منظر فنشتهيه" (أش53: 3،2). وقيل عنه في آلامه إنه "ظلم، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه" (اش7:53). هذه هي الحالة التي قال عنها "أبى أعظم منى".
لأنه أخذ طبيعتنا التي يمكن أن تتعب وتتألم وتموت.        
ولكنه أخذها بإرادته لأجل فدائنا، أخذ هذه الطبيعة البشرية التي حجب فيها مجد لاهوته على الناس، لكي يتمكن من القيام بعمل الفداء .. على أن احتجاب اللاهوت بالطبيعة البشرية، كان عملاً مؤقتاً انتهى بصعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب.. ولذلك قبل أن يقول "أبى أعظم منى" قال مباشرة لتلاميذه:   
"لو كنتم تحبونني، لكنتم تفرحون لأني قلت أمضى إلى الآب، لن أبى أعظم منى" (يو28:14).
أي أنكم حزانى الآن لأني سأصلب وأموت. ولكنني بهذا الأسلوب: من جهة سأفدى العالم وأخلصه. ومن جهة أخرى، سأترك إخلائي لذاتي، وأعود للمجد الذي أخليت منه نفسي. فلو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون إني ماض للآب.. لأن أبى أعظم منى.   
أي لأن حالة أبى في مجده، أعظم من حالتي في تجسدي.  
إذن هذه العظمة تختص بالمقارنة بين حالة التجسد وحالة ما قبل التجسد. ولا علاقة لها مطلقاً بالجوهر والطبيعة واللاهوت، الأمور التي قال عنها "أنا والأب واحد" (يو3:10). فلو كنتم تحبونني، لكنتم تفرحون أنى راجع إلى تلك العظمة وذلك المجد الذي كان لي عند الآب قبل كون العالم (يو5:17).       
لذلك قيل عنه في صعوده وجلوسه عن يمين الآب إنه "بعد ما صنع بنفسه تطهيراً عن خطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب3:1).    
وقيل عن مجيئه الثاني أنه سيأتي بذلك المجد الذي كان له.         
قال إنه "سوف يأتي في مجد أبيه، مع ملائكته. وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" (مت27:16). ومادام سيأتي في مجد أبيه، إذن ليس هو أقل من الآب ... 
وقال أيضاً إنه سيأتي "بمجده ومجد الآب" (لو26:9).   
ويمكن أن تؤخذ عبارة "أبى أعظم منى" عن مجرد كرامة الأبوة.
مع كونهما طبيعة واحدة ولاهوت واحد. فأي ابن يمكن أن يعطى كرامة لأبيه ويقول "أبى أعظم منى" مع أنه من نفس طبيعته وجوهره. نفس الطبيعة البشرية، وربما نفس الشكل، ونفس فصيلة الدم.. نفس الطبيعة البشرية، وربما نفس الشكل، ونفس فصيلة الدم.. نفس الطبيعة البشرية، ونفس الجنس واللون. ومع أنه مساو لأبيه في الطبيعة، إلا أنه يقول إكراماً للأبوة أبى أعظم منى.
أي أعظم من جهة الأبوة، وليس من جهة الطبيعة أو الجوهر.     
أنا- في البنوة- في حالة من يطيع.   
وهو- في الأبوة- في حالة من يشاء.
وفى بنوتي أطعت حتى الموت موت الصليب (فى8:2).

  4- نقول إن المسيح ابن الله. فهل هو أصغر منه، لأن الابن عادة يكون أصغر من الآب. وقد رأيت أيقونة في كاتدرائية بالخارج. فيها صورة الآب بلحية بيضاء، والابن بلحية سوداء.
 أولاً: الأيقونة التي رأيتها في الخارج، فيها أكثر من خطأ:
أ‌- الخطأ الأول هو تصوير الآب. بينما الإنجيل يقول "الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر" (يو18:1).    
ولذلك لما أراد الأب أن نراه، رأيناه في ابنه الظاهر في الجسد (1تى16:3). وهكذا قال السيد المسيح "من رآني فقد رأى الأب" (يو9:14). 
ب- الخطأ الثاني هو تصوير الأب بلحية بيضاء، والابن بلحية سوداء، مما يوحى بأن الأب أكبر من الابن سناً. وهذا خطأ لاهوتي، لأنهما متساويان في الأزلية. ولم يحدث في وقت من الأوقات أن الأب كان بغير الابن. فالابن اللوجوس
Logos هو عقل الله الناطق، أو نطق الله العاقل (الكلمة). وعقل الله كان في الله منذ الأزل، بلا فارق زمني. ولهذا فإنني عندما رأيت هذه الصورة في مشاهدتي لكنائس الفاتيكان سنة 1973- قلت للكاردينال الذي يرافقني "هذه الصورة أريوسية. ربما الفنان الذي رسمها كانت له موهبة فنية كبيرة. ولكن بغير دراسة لاهوتية سليمة" ...   
ثانياً: الابن يكون أصغر من الأب في الولادة الجسدانية، ولكن ليس في الفهم اللاهوتي. وممكن أن توجد ولادة طبيعية بغير فارق زمني.     
فمثلاً الحرارة تولد من النار، بدون فارق زمني. لأنه لا يمكن أن توجد نار بدون حرارة تتولد منها. إنها ولادة طبيعية، لا نقول فيها إن المولود أقل عمراً أو زمناً.
مثال آخر هو ولادة الشعاع من الشمس، بلا فارق زمني على الإطلاق.    
هذه هي خصائص الولادة الطبيعية، وهى غير الولادة الجسدية الزمنية.  
إنها كولادة النبض من القلب، وولادة الفكر من العقل، والقياس مع الفارق
...

 5- قال السيد المسيح "مجدني أنت أيها الأب عند ذاتك، بالمجد الزى كان لي عندك قبل كون العالم" (يو5:17). وهنا يسأل الأريوسيون: هذا الذي يطلب من الأب أن يمجده، هل من المعقول أن يكون مساوياً للآب الذي يمجده؟
 1- هذه العبارة ذاتها تثبت لاهوت المسيح. فهو يقول "المجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم". إذن فهو موجود قبل كون العالم، وموجود في مجد. ذلك لأن العالم به كان، بل كل شئ به كان (يو1: 3،10).
أما هذا المجد الذي كان له عند الأب، فهو أنه "بهاء مجده، ورسم جوهره" (عب3:1). ولاشك أن هذا يعنى المساواة ...   
2- إن كان الأب يمجد الابن، يمجد الأب أيضاً. فهو قبل عبارة "مجدني" يقول "أنا مجدتك على الأرض" (يو4:17) إذن هو تمجيد متبادل بين الأب والابن. لذلك هو يقول في بدء هذه المناجاة "أيها الأب قد أتت الساعة. مجد ابنك، ليمجدك ابنك أيضاً" (يو1:17).
3- وهنا نسأل ما معنى التمجيد، إذا ذكر عن الأب أو عن الابن؟! بل ما معنى أن البشر أنفسهم يمجدون الله؟ كما يقول الرسول "مجدوا الله في أجسادكم وفى أرواحكم التي هي لله" (1كو20:6). أو كما يقول الرب في العظة على الجبل ".. ليروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت16:5).         
4- تمجيد الله لا يعنى إعطاءه مجداً ليس له!! حاشا. إنما معناه الاعتراف بمجده أو إظهار مجده.
فعبارة "أنا مجدتك على الأرض" معناها: أظهرت مجدك، أعلنته، جعلتهم يعترفون بمجدك. عرفتهم اسمك. أعطيتهم كلامك" (يو17).       
تماماً مثل عبارة "باركوا الرب" أي اعترفوا ببركته، أو أعلنوا بركته. وهكذا قول السيد المسيح "أيها الأب مجد اسمك" (يو28:12)، أي أظهر مجده، أعلنه. وبنفس الوضع إجابة الأب "مجدت، وأمجد أيضاً"، أي أظهرت ذلك. كذلك عبارة "مجدني" لا تعطني مجداً جديداً، فهو مجد كان لي عندك قبل كون العالم. فما معناها؟
5- تعنى أظهر هذا المجد الذي احتجب بإخلاء الذات (فى7:2).   
حينما أخذت شكل العبد، وصرت في الهيئة كإنسان "لا صورة له ولا جمال. محتقر ومخذول من الناس" (أش53: 3،2).
إذن يتمجد يعنى يسترد المجد الذي أخلى ذاته منه، الذي حجبه بتجسده. اسمح الآن- بعد الصليب، وفى الصعود- أن فترة الإخلاء تنتهي لأن "العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يو4:17).         
6- اسمح أن الناسوت يشترك مع اللاهوت في المجد. وهكذا يشير الرسول إلى "جسد مجده" (فى21:3) ... هذا الجسد الممجد الذي صعد به إلى السماء ليجلس عن يمين الأب.  
7- مجده، يشير أيضاً إلى صلبه. الذي اتحد فيه مجد الحب الباذل، ومجد العدل المتحد بالرحمة. مجده حينما ملك على خشبة (مز95)، واشترانا بثمن. وهكذا نرتل له يوم الجمعة العظيمة قائلين "لك القوة والمجد.. عرشك يا الله إلى دهر الدهور" (مز6:45) (عب8:1).  
لهذا لما خرج يهوذا ليسلمه قال "الآن تمجد ابن الإنسان، وتمجد الله فيه" (يو31:12). أي بدأ مجده كمخلص وفاد ومحب.. وقال بعدها "فإن كان الله قد تمجد فيه، فإن الله سيمجده في ذاته، ويمجده سريعاً".       
8- نلاحظ ذلك أيضاً في علاقة الابن بالروح القدس:         
قال عن الروح القدس "ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو14:16). يمجدني هنا، لا تعنى أن الروح القدس أكبر من الابن فيعطيه مجداً، لأن الابن يقول عنه "يأخذ مما لي". ولا تعنى أن الابن أعظم، فهما أقنومان متساويان. إنما تعنى يظهر مجده للناس.    
9- وظهر ذلك أيضاً من جهة استجابة الأب للصلاة عن طريق الابن. إذ قال الرب لتلاميذه "ومهما سألتم باسمي فذاك أفعله. ليتمجد الأب بالابن" (يو13:14). يتمجد الأب تعنى يظهر مجده في استجابته. وعبارة بالابن، لأن الصلاة باسمه، أي عن طريقه ...    
10- إن الله لا يزيد ولا ينقص سواء من جهة المجد أو غيره. لا يزيد، لأنه لا يوجد أزيد مما هو فيه. لا يأخذ مجداً أزيد، لن طبيعته لا حدود لها. ولا ينقص، لأن هذا ضد كمال لاهوته ...     
فعبارة مجدني لا تعنى أعطني مجداً ليس لي، إنما أظهر مجدي الأزلي وبالمثل عبارة "مجدتك"، وكل تمجيد متبادل بين الأقانيم.


رسالة أحدث رسالة أقدم الصفحة الرئيسية

زائرين الموقع حديثا

free counters

التوقيت

المساهمون

المتابعون