يوم الخميس من أحداث أسبوع الآلام: 1- العشاء الأخير
العشاء الأخير
(مت17:26-30): "وفي أول أيام الفطير تقدم التلاميذ إلى يسوع قائلين له أين تريد أن نعد لك لتأكل الفصح. فقال اذهبوا إلى المدينة إلى فلان وقولوا له المعلم يقول أن وقتي قريب عندك اصنع الفصح مع تلاميذي. ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع واعدوا الفصح. ولما كان المساء اتكأ مع الاثني عشر. وفيما هم يأكلون قال الحق أقول لكم أن واحد منكم يسلمني. فحزنوا جداً وأبتدأ كل واحد منهم يقول له هل أنا هو يا رب. فأجاب وقال الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني. أن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد. فأجاب يهوذا مسلمه وقال هل أنا هو يا سيدي قال له أنت قلت. وفيما هم يأكلون اخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي. واخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً اشربوا منها كلكم. لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا. وأقول لكم أني من الآن لا اشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما اشربه معكم جديداً في ملكوت أبي. ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون."
كان طقس الفصح اليهودي يشمل أكل خروف الفصح على مستوى عائلي. فرب الأسرة يجتمع مع أسرته ويشتركون في أكل الخروف، وإن لم تكن الأسرة قادرة على شراء خروف تجتمع معها عائلة أخرى. ويأكلون خبز مع أعشاب مرة. وكان رب البيت يمسك الخبز في يده ويقول هذا هو خبز الغم والمحنة الذي أكله أباؤنا في مصر. ثم يقدم ثلاث كئوس خمر للحاضرين وكانت الكأس الثالثة تسمى كأس البركة. وكانوا بعد الكأس الأولى يغسلون أيديهم وأرجلهم. وفي الفصح يستخدمون خبزاً غير مختمر أي فطير. ومنذ هذه الليلة ولمدة 7أيام لا يأكلون سوى الفطير. ومساء الخميس أي عشية يوم الجمعة أسس السيد المسيح سر العشاء الرباني، قدًّم نفسه لكنيسته فصحاً حقيقياً، قدّم جسده ودمه مأكلاً حق ومشرباً حق. كان اليهود سيقدمون الفصح يوم الجمعة، أمّا المسيح فسبق وأسس هذا السر لأنه كان يعلم أنه وقت الفصح اليهودي سيكون معلقاً على الصليب فالتلاميذ في العشاء السري لم يأكلوا خروف الفصح بل أكلوا جسد المسيح فصحنا الحقيقي. والمسيح بكلماته هنا غيًّر مفهوم العيد تماماً:-
1. كانوا في عيد الفصح يذكرون ما حدث لهم في مصر من غم ومشقة. فصرنا لا ننظر للوراء أي للفداء الرمزي بل صرنا نذكر موته وجسده الذي أعطاه لنا.
2. عوضاً عن كأس الخمر صرنا نشرب دمه غفراناً للخطايا ولننال حياة أبدية.
3. لم يَعُدْ الفصح على مستوى عائلي كما كان عند اليهود، بل تغير مفهوم العائلة، وصارت العائلة هي كل المؤمنين والمسيح رأس هذه العائلة. فالمسيح أكل الفصح مع تلاميذه دون النظر لأن يجتمع كل منهم مع عائلته. قدّس المسيح العلاقات الروحية على العلاقة الجسدية.
4. لاحظ أنهم كانوا كغرباء يبحثون عن مكان يأكلون فيه الفصح.
(الآيات 17-19): إعداد الفصح يستغرق وقتاً كبيراً في تنظيف وإعداد البيت لئلا يكون فيه كسرة خبز مختمر+ شراء ما يحتاجونه، لذلك كان التلاميذ يحتاجون لوقت كبير ليعدوا الفصح يوم الجمعة. والمسيح تركهم يعدوا كيفما شاءوا دون أن يخبرهم صراحة عن أنه سيصلب غداً ولن يأكل معهم هذا الفصح، بل استخدم الخبز والخمر في تأسيس الفصح الجديد، سر الإفخارستيا. وقتي قريب= لن يتمكن من اللحاق بالفصح فهو سيصلب. إلى فلان= السيد لم يحدد الاسم حتى لا يعرفه يهوذا فيتم تسليمه قبل أن يؤسس سر الفصح. والسيد لم يحدد الاسم لكنه حدَّد لهم علامة أنه شخص حامل جرة ماء (لو10:22) وكان هذا العمل تقوم به السيدات، وكان غريباً أن يحمل رجل جرة. وغالباً كان الشخص هو معلمنا مرقس كاروز ديارنا المصرية. وكان العشاء الرباني في منزله (أع13:12-14). وفي هذه العلية قضى التلاميذ العشرة أيام بعد صعود السيد وحتى حلول الروح القدس.
(الآيات 20-25): المسيح هنا يعطي يهوذا فرصة أخيرة ويحدثه برقة ويعلن له أنه يعلم بنيته الشريرة، كان مهتما بخلاص نفسه، ولذلك تكلم وسطهم دون أن يشير إليه حتى لا يجرح مشاعره. وإذ رأي السيد أن تلاميذه حزنوا وتشككوا في أنفسهم خاف عليهم وأعطى إشارة أن من يفعل هذا هو يهوذا يغمس يده في الصحفة= هو طعام عادي. ومع كل هذا لم يتب ولقد خرج دون أن يتناول الجسد والدم. ولقد أعلن السيد بؤسه المنتظر، ومع أن ما حدث كان بتدبير إلهي إلاّ أن يهوذا فعل كل شيء بإرادته. أنت قلت= تعبير يهودي يعني الموافقة، ومع هذا فكانت الخيانة قد أعمت عيني يهوذا. كان يهوذا شريراً وقد استخدم الله شره لتحقيق الأمور الإلهية. سؤال: ما ذنب يهوذا والخلاص الذي تم هو كل الخير للبشر؟ والرد أن نيته كانت شراً وليست خيراً.
(الآيات 26-28): أخذ يسوع الخبز= الكلمة تشير للخبز المختمر. والإخوة الكاثوليك يستخدمون الفطير بدعوى أن السيد المسيح بلا خطية والخمير يشير للخطية. وكنيستنا تستخدم الخبز المختمر ولها رأي آخر أن المسيح حامل لخطيتنا ولكنه كما أن نار الفرن أفسدت الخميرة وقتلتها، فإن المسيح بنيران ألامه وصليبه وموته قتل خطيئتي. وشكر= لذلك يسمى السر سر الشكر. للعهد الجديد= هو تعاقد إلهي بدم الرب والسيد حول الخبز والخمر إلى جسده ودمه بطريقة سرية. ونحن عندما نأكل جسد الرب ونشرب دمه. ننال الحياة فينا، إذ نكون كما لو أننا واحد معه، نسكن فيه وهو يملك أيضاً فينا. مغفرة الخطايا= مع التوبة والإعتراف فسر الشكر يغفر الخطايا، فسر الشكر هو هو نفسه ذبيحة الصليب.
(آية29): ما هو هذا الجديد الذي نشربه معه في ملكوت الآب، إلاّ تمتعنا بشركة الإتحاد مع الله في ابنه في السموات على مستوى جديد. إنه إمتداد لليتورجية الحالية (أي ما يحدث في القداس الإلهي من صلاة وتناول) ولكن بطريقة لا ينطق بها. وقوله جديد= يكون جديداً كل يوم، نستمر في فرحة هذا الإتحاد كأنها جديدة دائماً. بالمقارنة بما نحصل عليه على الأرض فنحن نشتهي الشئ وبمجرد حصولنا عليه يفقد لذته، أمّا الإتحاد بالله في السماء فيظل جديداً مفرحاً منعشاً وللأبد.
(آية30): هكذا تسبح الكنيسة المزمور 150 بعد نهاية القداس وأثناء التناول (عب12:2) فماذا نقدم لله على عطية جسده ودمه سوى التسبيح والشكر. وكان اليهود يسبحون المزامير 115-118 بعد أكل الفصح والتلاميذ سبحوا بعد أن أكلوا الفصح الجديد.
(مر12:14-26): "وفي اليوم الأول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح قال له تلاميذه أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح. فأرسل اثنين من تلاميذه وقال لهما اذهبا إلى المدينة فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء اتبعاه. وحيثما يدخل فقولا لرب البيت أن المعلم يقول أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي. فهو يريكما علية كبيرة مفروشة معدة هناك أعدا لنا. فخرج تلميذاه وآتيا إلى المدينة ووجدا كما قال لهما فأعدا الفصح. ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر. وفيما هم متكئون يأكلون قال يسوع الحق أقول لكم إن واحداً منكم يسلمني الآكل معي. فابتدأوا يحزنون ويقولون له واحدا فواحداً هل أنا وآخر هل أنا. فأجاب وقال لهم هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة. إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد. وفيما هم يأكلون اخذ يسوع خبزاً وبارك وكسر وأعطاهم وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي. ثم اخذ الكأس وشكر وأعطاهم فشربوا منها كلهم. وقال لهم هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين. الحق أقول لكم أني لا اشرب بعد من نتاج الكرمة إلى ذلك اليوم حينما اشربه جديداً في ملكوت الله. ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون."
لقد سبق السيد وهيأ أذهان تلاميذه في (يو51:6-58) بأنه سيقدم لهم جسده ودمه. وهو قدَّم لكنيسته عبر الأجيال جسده المصلوب القائم من الأموات ودمه المبذول غفراناً للخطايا. قدًّم لكنيسته ذبيحة الصليب الواحدة غير المتكررة خلال سر الشكر. لقد صار لنا كلنا كأس واحد نشرب منه هو ينبوع واحد للحياة ألا وهو الجنب المطعون. وكلمة للعهد الجديد (24) مأخوذة من (أر31:31) فهو عهد الغفران بالدم. وختم أي عهد يكون بالدم (الذبائح في العهد القديم) ودم المسيح في العهد الجديد. أشربه جديداً في ملكوت الله= هذا يشير لفرح الله بأن كنيسته معه في الملكوت، وفرح الكنيسة بوجودها مع الله في ملكوته. هو الفرح الذي يكتمل حين يكمل المختارون في ملكوت الله. والفرح الذي نحصل عليه الآن هو العربون.
(لو7:22-23): "وجاء يوم الفطير الذي كان ينبغي أن يذبح فيه الفصح. فأرسل بطرس ويوحنا قائلاً اذهبا وأعدا لنا الفصح لنأكل. فقالا له أين تريد أن نعد. فقال لهما إذا دخلتما المدينة يستقبلكما إنسان حامل جرة ماء اتبعاه إلى البيت حيث يدخل. وقولا لرب البيت يقول لك المعلم أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي. فذاك يريكما علية كبيرة مفروشة هناك أعدا. فانطلقا ووجدا كما قال لهما فأعدا الفصح. ولما كانت الساعة اتكأ والاثني عشر رسولاً معه. وقال لهم شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم أني لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله. ثم تناول كأساً وشكر وقال خذوا هذه واقتسموها بينكم. لأني أقول لكم أني لا اشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله. واخذ خبزاً وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم اصنعوا هذا لذكري. وكذلك الكأس أيضاً بعد العشاء قائلاً هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم. ولكن هوذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة. وابن الإنسان ماض كما هو محتوم ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يسلمه. فإبتدأوا يتساءلون فيما بينهم من ترى منهم هو المزمع أن يفعل هذا."
(آية15): شهوة إشتهيت= المسيح لا يشتهي أكل اللحوم والخبز، بل أن يعطيهم جسده ودمه. هو كان يرحب بتقديم جسده ليعطينا حياته.
(آية17): ثم تناول كأساً.. وقال.. إقتسموها بينكم= هذه الكأس هي كأس العشاء العادي، قبل أن يؤسس سر الإفخارستيا. كانت هذه اخر طقوس يتممها المسيح بحسب طقوس العهد القديم قبل أن يؤسس سر الإفخارستيا. وبعدها غسل أرجل تلاميذه لإعدادهم للإفخارستيا. وكانت العادة اليهودية أنهم يغسلون أرجلهم وأيديهم بعد الكأس الأولى. والسيد هنا هو الذي قام بهذا مع تلاميذه.
(آية18): لا أشرب من نتاج الكرمة= لا أعود أشرب معكم على الأرض ثانية فإني سأترك الأرض. فالخمر رمز للفرح وهو يشير لفرح على مستوى جديد في السماء.
(آية19): أخذ خبزاً وشكر وكسر= هنا السيد المسيح يؤسس سر الإفخارستيا. إصنعوا هذا لذكري= الذكرى هنا ليست معناها أن نتذكر ما حدث في هذه الليلة كما لأمرٍ غائب عنا، بل تحمل إعادة دعوته أو تمثيله في معنى فعال. الكلمة اليونانية المستخدمة تشير لهذا وتعني تذكر المسيح المصلوب والقائم من الأموات وتذكر ذبيحته لا كحدث ماضي بل تقديم ذبيحة حقة حاضرة وعاملة أي ذكرى فعالة.
(آية20): هذه الكأس هي دمه الذي للعهد الجديد. القديس لوقا لا يهتم بالترتيب الزمني ويورد قصة يهوذا بعد تأسيس السر. لكن هذه القصة حدثت قبل تأسيس السر (راجع إنجيل متى ومرقس). ولوقا يذكرها هنا لأنه يريد ان يظهر التناقض بين موقف المسيح الذي يبذل حياته وبين خيانة يهوذا. ثم يورد قصة عتاب المسيح للتلاميذ اذ انشغلوا بالزمنيات بينما هو يقدم لهم حياته ليضمن لهم الحياة الابدية.
(لو24:22-30): "وكانت بينهم أيضاً مشاجرة من منهم يظن انه يكون اكبر. فقال لهم ملوك الأمم يسودونهم والمتسلطون عليهم يدعون محسنين. وأما انتم فليس هكذا بل الكبير فيكم ليكن كالأصغر والمتقدم كالخادم. لأن من هو اكبر الذي يتكئ أم الذي يخدم أليس الذي يتكئ ولكني أنا بينكم كالذي يخدم. انتم الذين ثبتوا معي في تجاربي. وأنا اجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتاً. لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر."
نرى هنا الضعف البشري للتلاميذ إذ يتشاحنون على المراكز الأولى بينما المسيح يستعد لتقديم نفسه على الصليب، واليهود يتشاورون على قتله في الخارج. هم مازالوا يظنون أن ملك المسيح سيكون ملكاً مادياً.
سبب الخلاف هنا كان في أماكن جلوسهم على المائدة قرباً أو بعداً عن السيد. والتقليد اليهودي أن الإبن الأكبر يجلس عن اليمين والأصغر عن اليسار رمزاً للحب. لكن التلاميذ ظنوا أن الذي يجلس أقرب للسيد سيكون له مركزاً أكبر حين يملك السيد.
(آية25): محسنين= هم يسمونهم هكذا تملقاً. وهم يسمون أنفسهم هكذا إذا قدموا خدمات لبلادهم بل هم يعطون عطايا وخدمات ليسميهم الشعب هكذا. ولكن الأمم الوثنيين يفهمون أن المحسنين يجب أن يتسلطوا. وهنا المسيح يشرح لهم أن الأفضل أن يخدموا الآخرين من أن يسودوا ويترأسوا عليهم. والمسيح هنا ينسب التسلط للأمم.
(آية27): المسيح يعطيهم نفسه مثلاً لهم في إتضاعه وخدمته.
(آية28): المسيح يمدح أمانتهم وثباتهم رغماً عن مضايقات اليهود وأنهم تركوا كل شيء وتبعوه، مع أنهم لم يثبتوا إلاّ بمساندة نعمته. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). ولاحظ أنه في محبته لم يوبخهم على ضعفاتهم. ونلاحظ أن طلب العظمة الزمنية يسبب إنشقاقاً بين الإخوة والعكس فروح الإتضاع والخدمة تولد الحب.
(آية29): هنا المسيح يشرح لهم أنه طلب منهم الخدمة والتخلي عن التسلط والرئاسة وعدم إشتهاء العظمة ليس حرماناً بل طريقاً للملكوت والمجد الأبدي، وهذا لا نبلغه إلاّ في الصليب وقبول الألم، وهذا ما حدث مع المسيح شخصياً= كما جعل لي أبي أجعل لكم.. ملكوتاً= أعطيكم الملكوت السماوي مكافأة لما إحتملتموه
(آية30): لتأكلوا وتشربوا= من شجرة الحياة والمقصود ليس الأكل والشرب الماديين بل الشبع بالله (رو17:14+ مت6:5). تدينون أسباط إسرائيل= يكونون بقبولهم للمسيح وحياتهم المتضعة وقداستهم علة تبكيت ودينونة لليهود ويفضحوا جحود اليهود وإثمهم على كراسي= يظهر بهذا علو درجة التلاميذ.
ملحوظة: في السماء سيكون لنا نفس رأى المسيح بلا تعارض، وإن دان المسيح أحد سندينه نحن أيضاً. وهذا معنى تدينون أسباط إسرائيل= نحن على الأرض ربما نختلف مع الله في أحكامه أما في السماء فلا إختلاف (1كو16:2)
(يو1:13-30) غسل الأرجل
St-Takla.org Image: Jesus Christ washing the feet of the disciples - Modern Ethiopian icon from one of Lake Tana Monasteries, Bahir Dar, from St-Takla.org Ethiopia visit, 2008 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008 صورة في موقع الأنبا تكلا: الرب يسوع المسيح يغسل أرجل تلاميذه - أيقونة حبشية حديثة من أحد أديرة بحيرة تانا، بحر دار - من صور رحلة موقع الأنبا تكلاهيمانوت لإثيوبيا عام 2008 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا، إبريل - يونيو 2008 |
لم يتحدث معلمنا يوحنا عن سر الإفخارستيا فقد سبقه البشيرون وشرحوه وكان الطقس قد أصبح الجميع يمارسونه فلا حاجة لأن يعيد شرحه. وعوضاً عن شرح طقس سر الإفخارستيا نجده يحدثنا عن غسيل الأرجل، أي تطهير تلاميذه قبل أن يناولهم جسده ودمه، وكلمنا أيضاً عن الحب في قلب المسيح والخيانة في يهوذا ولكن يوحنا أيضاً أشار لهذا السر في (يو48:6-59). وغسل الأرجل هو بذل محبة إختياري. إذاً هو مرتبط بالصليب. ولقد سبق السيد وعاتب سمعان الفريسي أن "ماء لرجلي لم تعط" (لو44:7) لنقص محبة سمعان. أما المسيح فلأجل محبته الكثيرة غسل أرجل تلاميذه. ليطهرهم قبل أن يؤسس الإفخارستيا. وسر الإفخارستيا هو قمة الحب، فالمسيح فيه يكسر جسده ليعطينا حياة.
آية (1): "أما يسوع قبل عيد الفصح وهو عالم إن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب إذ كان قد احب خاصته الذين في العالم احبهم إلى المنتهى."
لقد تم معنى الفصح اليهودي وأُكمِل الرمز في تقديم المسيح نفسه، جسده ودمه للكنيسة في هذا العشاء الأخير ثم بذبح المسيح فعلاً على الصليب عوضاً عن خروف الفصح بل وفي نفس توقيت تقديم خروف الفصح. ونرى أن سفر الرؤيا قدّم المسيح كحمل الله المذبوح ما يقرب من 15مرّة. وهو عالمٌ= هو يعلم كل شئ بعلمه المطلق. ساعته قد جاءت= هو سيسلم نفسه بإرادته وبسلطانه، فلقد سبق وإجتاز في وسطهم دون أن يمسوه بأذى (يو59:8). فهو ليس فقط عالمٌ بساعته بل هو يريدها، لأن حُبَّه لخاصته غطى كل مرارة= إلى المنتهى= غاية المحبة التي جعلته يبذل نفسه عنهم وعنا. والمحبة كانت هي السبب في كل ما يصنع حتى غسل الأرجل. خاصته= هم هنا التلاميذ. لينتقل= من هنا أطلقت الكنيسة اسم إنتقال على الموت.
كان قد أحب خاصته .................................. أحبهم إلى المنتهى
↓ ↓
كان فعل ماضي....فنفهم أن الله
أحبنا قبل أن يخلقنا بل منذ الأزل الله يحب البشر وإلى الأبد ولا حدود لمحبته
كنا في عقل الله منذ الأزل، فالله لا يستجد عليه فكر جديد. لكننا كنا في عقله إرادة وفكرة، كنا فيه منذ الأزل. هو لمحبته أراد أن يخلق الإنسان ويعطيه حياة ليمتع هذا الإنسان بالمجد، هو أحبنا قبل أن يخلقنا فهو محبة، هو ينبوع محبة لا يوجد فيه سوى المحبة " الله محبة" (1يو4: 8)، لذلك فأول آية تقابلنا في الكتاب المقدس هي "فى البدء خلق الله" فالخلق هو إعلان عن خيرية الله أى عن طبيعته الخيرة التي تريد أن تعطى حياة لبشر ليمتعهم معه في مجده.
ولما جاء ملء الزمان قال الله "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك1: 26).
نعمل = هنا الثالوث يقوم بعملية خلق الإنسان.
الآب = يريد أن يخلق ويُكوِّن إنسان له حياة ليفرح معه وبه، لماذا ؟ هذا لمحبة الله فهذه طبيعته.
الإبن = الذي به كان كل شئ "جبل الإنسان ترابا من الأرض وعمل له جسداً (تك2: 7).
الروح القدس = الروح المحيى " نفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية" (تك2: 7).
إذاً كنا في عقل الله، وعقل الله هو أقنوم الإبن (1كو1: 24) وحين كوًن الإبن جسدنا صار رأسا لكل الخليقة = بكر كل خليقة (كو1: 15) = بداءة خليقة الله (رؤ3: 14) فنحن كنا فيه فكرة ثم صرنا كيانا عاقلا حيا. هو بداية كل خليقة أى به كان كل شئ (يو1: 3).
ووضع الله آدم في جنة عَدْن (جنة أى مكان جميل جدا، وهكذا كانت الأرض قبل أن تُلعن. أما عَدْن فهي كلمة عبرية بمعنى فرح وبهجة ) فهذا ما أراده الله للإنسان أن يفرح.
وأخطأ الإنسان فإنفصل عن الله القدوس " فلا شركة بين النور والظلمة..." (2كو6: 14) ولأن آدم إنفصل عن الله الحي مات، وهكذا إجتاز الموت إلى جميع الناس... (رو6: 12).
فلم يتركنا الله المحب لنا " فالله يريد أن الجميع يخلصون" (1تى2: 4). ولكن للخلاص شروط:-
1) أن يتطهر الإنسان من خطيته.
2) يعود ليثبت في المسيح فتكون له حياة فلا يهلك.
وكان أن الله خلقنا خلقة ثانية جديدة بولادة ثانية من الماء والروح = أى المعمودية التي فيها يعطى الروح القدس للخليقة الأولى أن تموت مع المسيح وبهذا تغفر خطاياها. ثم تقوم معه بحياة جديدة. والروح يثبتنا في المسيح فنحيا، وهذا ما قاله بولس الرسول " لأننا نحن عمله (الخلقة الأولى) مخلوقين في المسيح يسوع (الخلقة الثانية)...(أف2: 10). ولأن الله لا يريد أن يقيد حرية الإنسان، فهو تركه حرا، إن أراد يظل ثابتا في المسيح، هو حر في ذلك، وإن أراد أن يعود للعالم وخطاياه فهو حر أيضا. وهنا يقول الرب للإنسان لو إختار خطايا العالم " أنا مزمع أن أتقيأك من فمى" (رؤ3: 16) أى لاتعود فىَّ، لا تعود ثابتا فىَّ إذ أنت الذي إخترت هذا الإنفصال.
ولكل هذا نرى أسلوب الخلقة الثانية والتي قام بها الثالوث أيضا:-
الآب = يريد أن الجميع يخلصون.
الإبن = يقوم بعمل الفداء (يموت ويقوم).
الروح القدس = يعطينا في المعمودية أن نموت ونقوم ثابتين في المسيح وبهذا تعود لنا الحياة،
وهذا ما تم شرحه تماما فى سفر حزقيال (راجع إصحاح 37: 1 – 14).
ويأخذ الروح شكل حمامة ليعلن أنه سيقوم بردنا إلى المسيح بيتنا (عب3: 6) {فطبيعة الحمام أن يعود إلى بيته} وذلك بأن يبكت ويعين حتى نعود ونثبت في المسيح. ولكن تظل حرية الإنسان مكفولة. بل هذه الحرية كانت لآدم منذ البدء، إذ خيَّره الله بين أن يثبت فيه (الأكل من شجرة الحياة) أو أن ينفصل عنه لو أخطأ (وهذا ما أطلق عليه شجرة المعرفة).
واليوم، يوم خميس العهد نرى الرب في محبة عجيبة يعيد الإنسان إلى الثبات فيه ليحيا :-
يطهر تلاميذه = غسيل الأرجل. وذلك ليُعِّدهم لسر الإفخارستيا (يو13: 10).
يعيدنا للثبات فيه = الإفخارستيا. "من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فىَّ وأنا فيه"(يو6: 56)
يطهر أولا لأنه لا يكون فيه ولا يثبت فيه إلاّ من كان طاهرا.
هو حب عجيب أزلى منذ كنا في عقل الله ، وإلى المنتهى.
حب عجيب لا ينطق به. في محبته يخلقنا، لنفرح... نخطئ فيعيد تطهيرنا ويثبتنا فيه فنحيا.
حب عجيب، كنا فيه وخرجنا بإرادتنا، فيقدم لنا فداء عجيبا ليعيدنا فيه، ولكنه لا يقيد حريتنا.
حقا..... يدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها أبديا رئيس السلام (إش9: 6).
آية (2): "فحين كان العشاء وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا سمعان الاسخريوطي أن يسلمه."
راجع تفسير (لو1:22-6) (يوم الأربعاء)
ألقى الشيطان= الشيطان لا يقدر أن يأخذ منك إلاّ بقدر ما تريد أنت أن تعطيه إياه. لقد تجاوب يهوذا مع الشيطان وذهب وإتفق مع رؤساء الكهنة من قبل، والشيطان لن يكف عن محاولاته مع يهوذا طالما هو يقبل منه. وهذا يعني أنه يظل يقترح عليه الأسوأ دائماً. الشيطان هو مجرد قوة فكرية تقترح السيئ، فإذا قبل الإنسان فهو يقترح عليه الأسوأ.
الآيات (3-4): "يسوع وهو عالم أن الآب قد دفع كل شيء إلى يديه وأنه من عند الله خرج وإلى الله يمضي. قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة وإتزر بها."
العظمة الحقيقية ليست عائقاً في سبيل الإتضاع، إنما هي خير باعث له. فهذه الصورة التي أمامنا نرى فيها مقدار التنازل الذي تنازله المسيح. الآب دفع كل شيء إلى يديه= فهاتان اليدان اللتان تمسكان بكل السماء والأرض يغسل بهما السيد أرجل تلاميذه بكل وسخهما، إشارة لأن المسيح أتى ليغسل قذارة الإنسان، ثم يوحدنا به في سر الإفخارستيا ليعود بنا إلى حضن الله أبيه. إذاً وهو عالم بكل ما له من سلطان يتصرف كخادم يغسل الأرجل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). فهو من عند الله خرج وإلى الله يمضي، ومادام هو الطريق فسيأخذنا إلى حضن الله. وعادة غسل الأرجل كانت عمل العبيد لسادتهم بعد رجوعهم للبيت لغسل أرجلهم من الأتربة العالقة بها. خلع ثيابه= خلع ثيابه الخارجية وهذا لا يفعله سوى العبيد (وغالباً فقد كانت هذه الثياب الخارجية فاخرة فقد ألقى الجند قرعة عليها) وهو قد تراءى لتلاميذه بهذه الصورة. وأخذ منشفة وإتزر بها= أيضاً فهذا عمل العبيد. ما صنعه المسيح هنا يشير لأنه أخلى ذاته آخذاً صورة عبد، فهو خرج من عند الله= أي تجسد وصار في صورة عبد، ثم يمضي إلى الله= ليأخذنا فيه إلى الله. فالمسيح نزل لصورة العبد ليرفع الإنسان للكرامة والمجد، وهذا بأن يطهره (غسل الأرجل) ويوحده فيه (التناول). فغسل الأرجل هنا هو من صميم عمل الفداء أي التطهير والتقديس. والعجيب أن المسيح غسل رجلي يهوذا وهو عالم أنه سيسلمه.
آية (5): "ثم صب ماء في مغسل وأبتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزراً بها."
غسل الأرجل له مفهوم يهودي ومفهوم روماني. والمفهوم اليهودي أن الكاهن يغتسل ويستحم في المرحضة في الهيكل عند بدء تكريسه وخدمته ككاهن عندما يبلغ من العمر 30سنة. ثم يغسل يديه ورجليه فقط في المرحضة كلما دخل للخدمة. أما المفهوم الروماني، فقد كانت هناك حمامات عامة يستحم فيها الشخص ولكنه يغسل قدميه من الأتربة فقط بعد عودته للمنزل. وهذا فيه إشارة لسرى المعمودية (الغسل الكلي) والتوبة والإعتراف (غسل القدمين). وبالنسبة إلى التلاميذ فهم كانوا قد آمنوا وتطهروا بإيمانهم ومعمودية المسيح لهم (الغسل الكلي)، لذلك قال المسيح في (آية10) وأنتم طاهرون. والآن وهم قادمون إلى سر التناول لا يحتاجون سوى لغسل الأرجل فقط. ونلاحظ أن من إغتسل لا يحتاج لأن يغتسل ثانية وفي هذا إشارة لعدم تكرار المعمودية. أمّا التوبة فتتكرر مع كل إحتكاك بالعالم وهذا مثل كل إنسان يخرج فتتسخ قدميه ويحتاج لغسلها. فالتراب اللاصق بالأرجل إشارة للخطية التي تأتي من الإحتكاك بالعالم.
آية (6): "فجاء إلى سمعان بطرس فقال له ذاك يا سيد أنت تغسل رجلي."
كان التلاميذ لهم فكر عالمي ويريدون أن يكونوا على يسار وعلى يمين المسيح في ملكه الذي تصوروه ملكاً أرضياً، ولذلك تشاجروا على من هو الأعظم. وبغسيل الأرجل أعطاهم الله درساً عملياً في الإتضاع (مت20:20-28+ لو24:22-27+ لو46:9-48). وكان هذا الفكر المتضع بعيداً عن بطرس، وعن الباقين ايضا الذين تشاجروا عمن هو الاعظم.
آية (7): "أجاب يسوع وقال له لست تعلم أنت الآن ما أنا اصنع ولكنك ستفهم فيما بعد."
كان الفداء يتطلب الإتضاع الكامل وأن يأخذ المسيح صورة العبد، وهذا لن يفهمه بطرس الآن، لذلك أخذ المسيح على عاتقه أن يقوم بدور العبيد ويغسل أقدام تلاميذه إعلاناً لإتضاعه الكامل، وهذا سيفهمه التلاميذ فيما بعد، حين يدركون ألوهيته فيدركوا كم كان إتضاعه. وهم قد
تعلموا بذلك أن الإتضاع هو سر الإرتفاع. وهكذا فكثير من أعمال المسيح وما يسمح به في حياتنا لن ندركه الآن ولكننا سنفهمه فيما بعد، لذلك علينا فقط أن نحبه ونطيعه ونثق فيه وبكل ما يسمح به، ودون تساؤلات فهو لا يخطئ في أحكامه، بل الأمور أعقد مما نتصورها بعقولنا المحدودة زمنيا اذ لا نعرف المستقبل، ومحدودة مكانيا اذ لا نعرف ما يدور حولنا،ومحدودة في ادراكها، وهناك الكثير مخفي عن عيوننا، لكن علينا أن نسلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير.. (رو28:8)
آية (8): "قال له بطرس لن تغسل رجلي أبداً أجابه يسوع إن كنت لا أغسلك فليس لك معي نصيب."
إن كنت لا أغسلك= فالذي يغسل حقيقة هو السيد المسيح وبدمه الذي يغفر ويطهر. وهو ليس غسيل عادي بل تطهير للقلب. إذاً غسل الأرجل هو عمل تأهيلي لنوال نصيب مع الرب. فهو عمل يتعلق بقضية الخلاص، فهو يشير لتطهير النفوس. وهذا هو عمل الخدام أيضاً، دفع النفوس للتوبة والإعتراف ثم التناول الذي يعطي لمغفرة الخطايا. والكنيسة تحث أولادها على الجهاد ليحيوا في طهارة. معنى كلام السيد لبطرس، إن كنت لا تتطهر من خطاياك فلن يكون لك معي نصيب. لا تغسل رجليَّ= كثيراً ما نعمل مثل بطرس، إذ نصر على أن آرائنا أفضل مما يفعله الله فنتذمر عليه.
آية (9): "قال له سمعان بطرس يا سيد ليس رجلي فقط بل أيضاً يدي ورأسي."
بطرس ظن الموضوع تطهيراً بحسب العقلية اليهودية التي تفهم أن التطهير يكون بالماء. فطلب غسل جسمه كله وهنا أيضاً نجد بطرس يريد تغيير فكر المسيح ولكن التطهير في المفهوم المسيحي هو بدم المسيح وهنا نحصل على مفاعيله في سري المعمودية والتوبة وكلاهما غسيل.
آية (10-11): "قال له يسوع الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه بل هو طاهر كله وانتم طاهرون ولكن ليس كلكم. لأنه عرف مسلمه لذلك قال لستم كلكم طاهرين"
هناك كلمتين في اليونانية بمعنى يغسل وكلاهما استخدما في هذه الآية.
الذي قد إغتسل .. غسل رجليه
تشير للإستحمام الكلي تشير لغسل اليدين والقدمين
المعمودية التوبة والإعتراف
ولكن ليس كلكم= هذا تحذير أخير ليهوذا فهو يقصد يهوذا، الذي لم يجدى معه كل ما صنع المسيح. وعجيب مع كل محبة المسيح هذه ليهوذا أن تستمر الخيانة في قلب يهوذا.. ومع هذا غسل المسيح رجلي يهوذا.
الآيات (12-15): "فلما كان قد غسل أرجلهم واخذ ثيابه واتكأ أيضاً قال لهم أتفهمون ما قد صنعت بكم. انتم تدعونني معلماً وسيداً وحسناً تقولون لأني أنا كذلك. فان كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فانتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض. لأني أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون انتم أيضاً."
المسيح يشرح لهم أن قوة الخدمة في أن نتشبه به في إتضاعه ومحبته وبذل نفسه وخدمة الأكبر للأصغر (راجع أية 1 أحب خاصته) والفهم هنا يكون بإستنارة من الروح القدس. وإذا فهمنا أن غسل الأرجل إشارة للتطهير فهذا عمل سر الكهنوت وسر الإعتراف الذي أعطاه السيد لتلاميذه (يو21:20-23). فعمل سر الكهنوت هنا هو غسل وتطهير الخطاة = تصنعون أنتم أيضاً أي مساعدة الناس ودفعهم للتوبة ليتقدسوا أي يحيوا في قداسة، ويكون هذا العمل بإتضاع.
الآيات (16-17): "الحق الحق أقول لكم انه ليس عبد اعظم من سيده ولا رسول اعظم من مرسله. إن علمتم هذا فطوباكم أن عملتموه."
المسيح يضع نفسه كمثال. وعلى التلاميذ أن يصنعوا نفس الشيء. لذلك تصلي الكنيسة طقس اللقان يوم خميس العهد (يوم صنعه المسيح) ويوم عيد الرسل فهذا عمل الرسل أن يكملوا ما عمله المسيح. وفي (17) حسنٌ أن نعلم والأفضل أن ننفذ (ويوجد طقس اللقان أيضاً يوم عيد الغطاس ولكن هذا إشارة للمعمودية ولا علاقة له بغسل الأرجل). والسيد يطوبهم هنا لو عملوا نفس الشئ ليشجعهم في طريق خدمتهم. أي من يفعل سيكافأ في السماء. إن عملتم= هو إحساس داخلي بالحقيقة وإستيعاب داخلي للدرس (البذل والإتضاع) ومن يتضع كالسيد يكون تلميذاً حقيقياً له ورسولاً حقيقياً له.
آية (18): "لست أقول عن جميعكم أنا اعلم الذين اخترتهم لكن ليتم الكتاب الذي يأكل معي الخبز رفع علي عقبه."
يهوذا لن يتقبل ولن يفهم ما أقوله فليست له محبة في داخله. الله يختار خدامه بحسب اللياقة الفردية للعمل المطلوب أداؤه، ويزود خدامه بالمعونة والتأييد، ويكمل نقائصهم إن كانوا خائفين اسمه القدوس (2كو9:12). ولكن كل إنسان حر، ولو إختار الله القديسين فقط لخدمته ينعدم مفهوم الحرية والإرادة، وينعدم مفهوم الجزاء والإجتهاد. والله إختار يهوذا كشخص متميز في الشئون المالية وظل يعلمه ويفيض عليه من محبته ثلاث سنوات وأكثر وجعله من خاصته ولكنه كان ناكراً للجميل. وبنفس الطريقة فالله إختارني فماذا أنا فاعل,. وإستشهد المسيح بمزمور (9:41)، وما فيه قد قيل عن أخيتوفل الذي يرمز ليهوذا. وهو كان قريباً جداً لداود كما كان يهوذا. ورفع العقب بعد الأكل هو من عمل الحيوان الناكر للجميل الذي بعد أن يأكل العلف يرفس صاحبه (أش3:1) أكل الخبز تعني من يحيا مع الشخص ويلتصق به. العقب= وهو القدم. إخترتهم= لا يعني إختيارهم للخلاص بل كتلاميذ.
آية (19): "أقول لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون أني أنا هو."
قبل أن يكون= قبل تسليم يهوذا وقبل الصلب، حتى متى كان تؤمنون= بعد القيامة تنفتح عيونهم ويزداد إيمانهم بالمسيح الذي سيدركون وقتها أنه كان عالماً بكل شيء حتى خيانة تلميذه، وبالتالي سيفهمون أنه سلَّم نفسه بإرادته. إني أنا هو= يهوه العالم بكل شيء وأنه سلم نفسه بإرادته.
آية (20): "الحق الحق أقول لكم الذي يقبل من أرسله يقبلني والذي يقبلني يقبل الذي أرسلني."
هنا يكلمهم المسيح عن إرساليتهم للعالم ليكونوا خداماً لتطهير العالم. وهذا تشجيع لهم ليتحملوا مشاق الكرازة. بل أن يقبلوا غسيل أرجل من يضطهدهم كما غسل هو أرجل يهوذا.
آية (21): "لما قال يسوع هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم إن واحداً منكم سيسلمني."
المسيح هنا ينظر إلى داخل الضمائر. وإضطرابه يشير لطبيعته الإنسانية التي تعرف المعركة التي ستحدث، وصراع النور والظلمة، والتي سيكون مركزها أي مركز هذه المعركة جسده هو. وهو إضطرب أيضاً لأنه رأي أن الشيطان قد ملأ قلب تلميذه، بل تقمصه فخانه هذا التلميذ. ولقد سبق المسيح وإضطرب أمام قبر لعازر وها هو يضطرب أمام يهوذا الميت، فهو لا يرضى عن الشر. هو إضطراب التنافر بين الحب والخبث، بين النور والظلمة. وإضطرابه ايضا يشير لطبيعته فـ "الله محبة" والله خلقنا على صورته وهو يتألم بشدة إذ نتحول إلى صورة الكراهية والخيانة هذه.
الآيات (22-24): "فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهم محتارون في من قال عنه. وكان متكئاً في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه. فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه."
أومأ بطرس ليوحنا ليسأل المسيح، إذ كان يوحنا عن يسار المسيح وهم كانوا متكئين على يدهم اليسرى (هذه كانت العادة عندما يجلسون ليأكلوا متكئين) ونتصور أن يوحنا لو مال برأسه ليكلم المسيح لصار في حضنه. وربما كان يهوذا هو أكبرهم سناً وهو الذي جلس عن اليمين (لذلك لم يسمع أحد الحديث بين السيد ويهوذا) لذلك كان أقرب المحبوبين للمسيح هو الجالس عن يساره أي يوحنا.
الآيات (25-26): "فإتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له يا سيد من هو. أجاب يسوع هو ذاك الذي اغمس أنا اللقمة وأعطيه فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الاسخريوطي."
نلاحظ هنا رقة المسيح، فهو للآن لا يريد أن يجرح مشاعر يهوذا. ونلاحظ أن غمس اللقمة في صحن به مزيج من عصير الفواكه (را 13:2-14) الممزوج بالنبيذ هو تقليد فصحي. كان رب البيت يُكَرِم الإبن الأكبر بغمس لقمة فيه ويعطيها له. فالمسيح حتى الآن يُكَرِم يهوذا ولم يجرحه بكلمة، ويعطيه آخر فرصة. ولكن في (مت23:26) نرى أن يهوذا هو الذي مدّ يده في الصحفة ولكن العلامة أعطيت ليوحنا فقط. وتفسير هذا إمّا أن المسيح وجده يمد يده في الصحفة، فبادره هو بتقديم لقمة مغموسة إليه، ربما لأن الصحفة أقرب للمسيح أو بعد أن كرّمه المسيح وأعطاه لقمة مغموسة من الصحفة تجرأ هو ومدّ يده ورآه التلاميذ يمد يده. لاحظ رقة السيد المسيح فهو لم يرد أن يفضح يهوذا بالإسم، فاستخدم علامة الغمس في الصحفة حتى لا يجرح مشاعره. وهي علامة تدل على إكرام الشخص (الإبن الأكبر أو الضيف العزيز) وربما لو أدرك شخص مندفع كبطرس ما يحدث، ربما كان سيقتل يهوذا.
الآيات (27-29): "فبعد اللقمة دخله الشيطان فقال له يسوع ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة. وأما هذا فلم يفهم أحد من المتكئين لماذا كلمه به. لأن قوماً إذ كان الصندوق مع يهوذا ظنوا أن يسوع قال له اشتر ما نحتاج إليه للعيد أو أن يعطي شيئاً للفقراء."
كان الأكل من اللقمة هو آخر شعاع من نور الحب وجهه المسيح ليهوذا الخائن. ولماّ رفضه دخله الشيطان ودخل هو للظلمة.
هل كان ما أعطاه المسيح ليهوذا هو سر الإفخارستيا، أي هل أعطاه جسده؟
الإجابة بلا. فاللقمة كانت لقمة عادية والسر تأسس بعدما خرج يهوذا لأن:-
1- التناول ليس فيه غمس.
2- كيف يسمح السيد لهذا التلميذ الذي دخله الشيطان أن يتناول وهو الذي قال لا تلقوا درركم قدام الخنازير (مت6:7).
3- الكنيسة لا تناول إلاّ من كان مستعداً تائباً، وقد تعلمت هذا من معلمها المسيح، والرسل الذين قالوا في الدسقولية أن الكنيسة يجب أن تمنع المصر على خطاياه.
4- يقول معلنا بولس الرسول في (1كو27:11) إن الذي يتناول بدون إستحقاق يصبح مجرماً في جسد الرب ودمه فهل كان يهوذا يعلم أن ما يعطيه له المسيح يجعله مجرماً، وهل طلب يهوذا التناول أم أن المسيح هو الذي أعطاه، لو كان يهوذا يعلم وتقدم للتناول بإرادته بإستهتار إذ كان مصراً على خطيته ومصراً على تسليم المسيح، في هذه الحالة يصبح مجرماً في جسد الرب ودمه ويدخله الشيطان بسبب هذا الإستهتار. ولكن هذا لم يحدث، بل المسيح هو الذي عرض عليه وأعطاه اللقمة، فهل يعطي المسيح جسده لمن لا يستحق!
وبالرجوع إلى (مت20:26-25) نجد أن السيد يكشف للتلاميذ من الذي يسلمه بعلامة الأكل من الصحفة، ونرى يهوذا في جرأة يسأل السيد هل أنا هو يا سيدي والسيد يرد عليه سراً حتى لا يجرحه قائلاً أنت قلت. وفي إنجيل يوحنا الذي نحن بصدده نرى أن يهوذا خرج فوراً بعد قصة اللقمة. ثم في (مت26:26) نجد أن السيد يؤسس سر الإفخارستيا بدون وجود يهوذا الذي كان قد خرج. ونفس الترتيب نجده في إنجيل مرقس فيهوذا حضر العشاء العادي وأعطاه السيد من الصحفة وأعلن أن يهوذا يسلمه ثم يؤسس السر بعد أن خرج يهوذا بحسب ما قال يوحنا أمّا إنجيل لوقا فالغالب أنه لم يتتبع نفس التسلسل الزمني كما فعل متى ومرقس ثم يوحنا لكنه عرض أولاً العشاء العادي وأن المسيح شرب آخر كأس من كئوس الرمز اليهودي وألحق هذا بتأسيس السر ليعلن أن الطقوس اليهودية قد بطلت وإنتهت بتأسيس هذا السر (لو14:22-23) وبعد أن إنتهى من سرد الرمز والمرموز إليه أورد نبوة المسيح عن تسليم يهوذا له، فبتسليم يهوذا له تبدأ مراحل الصلب الذى سر الافخارستيا هو امتداد له. ولكن يهوذا كان قد خرج، فيكون قول المسيح "ولكن هوذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة" (لو21:22) قد قصد به أنه سوف يسلم للموت بواسطة من كان معه على المائدة. وتأكيداً لهذا نجد أن لوقا لم يورد قصة إعطاء اللقمة ليهوذا إذ كان قد خرج. ويكون لوقا بهذا لم يهتم بقصة اللقمة التي أعطاها السيد ليهوذا ليركز على إنتهاء رموز العهد القديم.
ملحوظة: الصورة الطقسية للعشاء الرباني يكون فيها السيد المسيح مع (11) تلميذ إذ أن يهوذا كان قد خرج.
(آية27) يبدو أن يهوذا بدأ يفكر في الخروج وقبل أن يستأذن سمح له المسيح بذلك، هو أعطاه سؤل قلبه. (مز4:20). وموافقة المسيح على ذلك هي موافقة على الصليب فهو له سلطان أن يضعها (يو18:10). ما أنت تعمله= أي تكميل خيانته. هذه العبارة ربما بها يراجع يهوذا ضميره. ولكن هذه العبارة تشير أن ما يحدث من يهوذا هو بموافقة السيد المسيح. وقوله هنا دخله الشيطان= أي أحكم القبضة على إرادته. فهو جلس مع الرب للأكل وقبل اللقمة بشكل ودي والقلب مملوء خبثاً وهذا فتح الباب للشيطان ليدخل ويمتلك القلب. ولاحظ أن المسيح وتلاميذه بالرغم من فقرهم كانوا يعطون الفقراء.
(آية28): أما هذا= لم يذكره يوحنا باسمه فقد سقط من عداد التلاميذ إذ خرج. وقد تعني هذا الكلام الذي قاله يسوع ليهوذا. وهذا الكلام لم يفهمه أحد.
(آية29): إشتر ما نحتاج إليه للعيد= هذا يؤكد أن الفصح كان يوم الجمعة وأن عشاء الخميس لم يكن هو عشاء الفصح.
آية (30): "فذاك لما اخذ اللقمة خرج للوقت وكان ليلاً."
وكان ليلاً= هذا ليس إشارة للتوقيت الزمني فقط بل لحالة الظلمة الروحية التي كان فيها يهوذا (يو35:12) هو خرج من دائرة النور للظلمة الخارجية. إذ خرج وترك يسوع. أخذ اللقمة= اللقمة ليست من سر الإفخارستيا بل طعام عادي.
الآيات (31-32): "فلما خرج قال يسوع الآن تمجد ابن الإنسان وتمجد الله فيه. إن كان الله قد تمجد فيه فإن الله سيمجده في ذاته ويمجده سريعاً."
فلما خرج= قول الكتاب فلما، فيه إشارة لأن المسيح فتح قلبه لأحبائه بعد خروج يهوذا الخائن.. وأعلن إعلانات لم يعلنها من قبل (أناجيل الباراقليط) ففيها المسيح يعزي أولاده وأنه لن يتركهم وحدهم بل يرسل لهم الروح المعزي ويقول لهم يا أولادي. الآن تمجد= فبخروج يهوذا بدأت حقيقة أحداث الصلب التي تمجد بها المسيح. حقاً هذه الأمور محددة أزلياً، لكنها الآن دخلت التنفيذ لذلك ففي بداية القداس يمسك الكاهن الحمل ويقول (مجداً وإكراماً..) فالمجد هنا بدأ بالصليب. ويقول تمجد (في الماضي) كأن الأحداث قد وقعت وهذه عادة الكتاب المقدس حينما يتكلم عن أحداث ستحدث يقيناً.
تمجد= أي إنتصر على أعدائه وهم الشيطان والخطية والموت. فأي ملك يتمجد حين يهزم أعدائه. وبالصليب هزم المسيح هؤلاء الأعداء الثلاثة. وتمجد الله فيه= الله يتمجد حين يسلم إنسان نفسه للموت لأجله. هنا يوحنا يظهر أن المسيح قدًّم نفسه ذبيحة على الصليب للآب ليتمجد الآب (آية32) بطاعة الإبن له، وبرجوع الناس إليه. لقد فشل البشر في طاعة الآب وهذا عمله المسيح الذي أتى بنا فيه طائعين للآب. والمسيح كرر كلمة المجد في الآيات (31-32) خمس مرات ليعلن قبول الآب لذبيحته، وبهذه الذبيحة تمجد الله فيه وبسببه. والمجد يعلنه المسيح هنا لإبن الإنسان الذي سريعاً ما سيتمجد أيضاً بجلوسه عن يمين الآب. فبخروج يهوذا تبدأ أولى خطوات الصليب الذي يذبح المسيح عليه لتتم إرادة الآب وإرادة الإبن في خلاص الإنسان وينجح الإبن في تحقيق الهدف، والنجاح إنتصار والإنتصار مجد. وإذ تمجد ابن الإنسان تمجد الله الآب أيضاً فبه ظهرت محبة الله الآب للبشر (يو16:3). وإن كان الآب قد تمجد في ابنه فإن الآب سيمجد ابنه في ذاته= فهو متحد به إتحاداً كاملاً وبالتالي فمجد الآب هو مجد الإبن ومجد الإبن هو مجد الآب، وقوله في ذاته أي في ذات الله (تفسير هذا نجده في 4:17-5) أي دخوله لعرش الآب وسيكون له نفس مجد الآب فهو في الآب والآب فيه. وهذا يقال عن الناسوت. ونلاحظ أنه في (31) تمجد= هذه تشير للتمجيد العلني للمسيح أمام الناس، فإن الله سيمجده= بقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب وخضوع البشر له، ويوم يأتي للدينونة مع ملائكته.هذا تمجيد سري خاص، فيه يرفع ابن الإنسان ويقبل إلى المجد الذي يتمتع به الآب ذاته فيكون الجو المحيط به مجداً في مجد. وقوله يمجده في ذاته هو إصطلاح لاهوتي يفيد وحدة الآب والإبن لذلك يقول خرجت من عند الآب فهما كيان واحد، يخرج منه ليتجسد ويعود إليه ليتمجد دون إنقسام، فهما لا يتجزآن (راجع تفسير يو28:16).
المصدر موقع القديس تكلا
المصدر موقع القديس تكلا
<< الصفحة الرئيسية